مفاوضات ترامب مع طالبان تعيد سيناريو نهاية حرب فيتنام وخيبة الاميركيين فيها

ترجيحات بتحويل كابول الى سايغون اخرى

بارنيت روبن
ترجمة سناء علي

اثارت دعوة ترامب الى التفاوض مع حركة طالبان في أفغانستان حفيظة سياسيين وعسكرين وكتابا في شتى بقاع الأرض، سيما بعد ان شرع في تحويلها الى واقع بارسال مبعوثه زلماي خليل زاد الى أفغانستان ووصوله الى مسودة اتفاق مع حركة طالبان على سحب القوات الأمريكية من أفغانستان.
الكاتب الاميركي بارنيت روبن ربط على موقع الفورين بوليسي بين هذه الدعوة والانسحاب من فيتنام وحرب أهلية محتملة الحدوث في أفغانستان:
“يكشف قرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بسحب حوالى 7000 جندي من افغانستان في الأشهر المقبلة. ان الحكومة الأميركية وطالبان على وشك عقد اتفاق سلام ويخشي الأمريكيين من تكرار ادارة ترامب لخطأ الولايات المتحدة الاميركية في فيتنام والاتحاد السوفييتي في افغانستان سابقاً؛ فاستراتجية التفاوض على سحب القوات الأميركية من افغانستان من السياسات التي دعمتها الحكومات المحلية الأميركية ولكن هناك تخوف من أن يؤدى ذلك إلي انهيار الحكومة الأفغانية أو لحرب أهلية.
كما تعد سياسة التفاوض الحالية التي يتبعها الرئيس الأمريكي، استكمالاً لاستراتيجية جنوب اسيا التي اعلنها ترامب في اغسطس2017، ومن هنا يتضح أن المهم بالنسبة لترامب على عكس الرؤساء الأمريكيين السابقين، هي الظروف المحيطة و الموجود على الأرض. كما أنه من المفترض أن تتغير استراتيجية التعامل مع باكستان، الذي أقر ترامب أنها تضم معظم المنظمات المعادية لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية و من هنا، يجب أن تتغير.
وعلى الرغم من أنه لم تجر بلورة أي استراتيجية لتغيير سلوك باكستان، الا ان قرار ترامب بالانسحاب كان فقط بناء على الظروف المحيطة انطلاقاً من فشل خططه؛ حيث حدد الجيش الأمريكي ضرورة سيطرة الحكومة على 80 % من السكان كمعيار للنجاح. لكن أفاد المشرف العام التابع لوزارة الدفاع الأمريكية لإعادة الإعمار في افغانستان أنه في الفترة من أغسطس 2017 إلى أكتوبر 2018 ،أن نسبة السكان الأفغان الذين يعيشون في المناطق الواقعة تحت السيطرة الحكومية باتت 64% وليس80%.
وعليه، من الواضح أن الأحوال لم تتحسن في كابول منذ بداية إدارة ترامب، و ظهر ذلك عندما أبلغ القائد الأمريكي في أفغانستان “جون نيكلسون”، اللجنة العسكرية في مجلس الشيوخ أن الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية في حالة جمود، وبعد مرور عامين لم تنجح استراتيجية ترامب في جنوب أسيا التي كانت أقرب إلى التحقق. لذا، أفاد تقرير استخباراتي صدر في أغسطس لعام 2018 أنه إذا كان هناك أي شيء جاد يحدث، هو فوز طالبان على الأرض.

  • عن الفورين بوليسي

على الرغم من أن ترامب معروف بعدم قبول التقارير الاستخباراتية، ولكنه أكد أن رغبته في الانسحاب كانت صحيحة؛ حيث اقنع وزير الخارجية الأمريكي “مايك بومبيو” ترامب بمحاولة التفاوض قبل الانسحاب الأحادي، واستأجر “بومبيو” شخصية مخضرمة في السياسة الخارجية الافغانية و الأمريكية “زلماي خليل زاد” الذى عمل كممثل خاص للمصالحة الأفغانية في إداراتي “ريجان وبوش” لبضعة أشهر للتفاوض على صفقة قبل انسحاب القوات الأمريكية.
في السياق ذاته، كان الحل التفاوضي هو السبيل الوحيد للخروج من أفغانستان، لكن أصر الجيش على أنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية التفاوض مع الحكومة الأفغانية فقط من “موقع القوة”، ولكن أشار بعض المحللين إلي أنه كلما انتظرت الولايات المتحدة للتصرف من موقف القوة، أصبح موقفها الفعلي أضعف، لذلك عندما وافق ترامب في نهاية الأمر، لم تكن واشنطن في وضع يسمح لها بفرض شروط ولم تكن الطرف الاقوي في المفاوضات كما كانت ترغب .
لكن كانت تأمل كل من كابول وواشنطن في أن يجبر النجاح العسكري طالبان على الدخول في مفاوضات مباشرة مع الحكومة الأفغانية. لكن هذا النجاح لم يحدث، و توصلت طالبان إلى اتفاقيات مع الحكومة الأفغانية في عامي 2001 و 2004 فقط من أجل أن يتم قبولها من قبل الإدارة الأمريكية.
وظهر فيما بعد أن التفاوض مع الحكومة الأفغانية بدون اتفاق مع الولايات المتحدة كان بلا جدوى؛ حيث لم تستبعد طالبان التحدث إلى الحكومة الأفغانية، ولكنها تصر على التوصل أولاً إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن إنهاء ما تسميه “الاحتلال”. لذلك واجهت واشنطن في عام 2018 خيار المفاوضات المباشرة مع طالبان أو عدم وجود مفاوضات على الإطلاق.
ويقترب الطرفان من اتفاق يتم بموجبه سحب القوات الأمريكية في مقابل مشاركة طالبان في أي حكومة مستقبلية تنضم إلى الحرب ضد الإرهاب الدولي، ومن هنا يشعر بعض المحللين بالقلق ازاء قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإزالة قواتها بدون مقابل باستثناء الوعود غير القابلة للتنفيذ من قبل طالبان.
غير أنه وفقا للمفاوضين، لن يتم الاعتماد على الثقة بوعود طالبان، بل على التسلسل الدقيق لمكونات الاتفاق والإصرار على آليات التنفيذ. على أن يتمحور أفضل برنامج لمكافحة الإرهاب حول اتفاق سياسي مستقر لأفغانستان، يضع حداً لحوافز تعبئة الدعم الإرهابي، وغلق المساحات غير الخاضعة للحكم التي يمكن للإرهابيين استغلالها.
في النهاية اختار ترامب الانسحاب من جانب واحد وتخفيض المعونات، ولكن مثل هذا القرار يمكن أن يؤدي إلى انهيار الحكومة الأفغانية، وهو ما يعيد إلي الذاكرة سيناريو نهاية حرب فيتنام. و كانت تنص اتفاقات باريس للسلام، التي تم التوصل إليها في يناير 1973، على الانسحاب الكامل لجميع القوات الأمريكية من فيتنام الجنوبية في غضون 60 يومًا. على الرغم من أنها تضمنت أحكامًا لوقف إطلاق النار والتسوية السياسية، إلا أنها تمت بعد مغادرة القوات الأمريكية؛ حيث فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في جعل انسحابها مشروطًا . ومع ذلك، ظلت حكومة فيتنام الجنوبية على قيد الحياة لأكثر من عامين. و في عام 1975، عندما قطع الكونغرس الأمريكي المنهك من الحرب جميع المساعدات العسكرية والمالية عن فيتنام الجنوبية، عندها فقط سقطت سايغون.
ختاماً: يمكن أن يتكرر مثل هذا السيناريو مرة أخرى في أفغانستان، فيمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تقلص مساعداتها العسكرية والمالية بشكل كبير من خلال المفاوضات أو بدونها، لكن من شأن المفاوضات أن توفر الطريق الجاد للاستقرار بعد الانسحاب الأمريكي الحتمى. فيجب أن يسمح ترامب للمفاوضين والحكومة الأفغانية بأخذ الوقت اللازم للتوصل إلى اتفاق يربط بين تنفيذ اتفاق الانسحاب والتسوية السياسية الأفغانية، ومن ثم البقاء على تدفق المساعدات اللازمة للحفاظ على أداء الدولة الأفغانية، فضلاً عن تجنب وقوع حرب أهلية في أفغانستان.


مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة