مذكرات الرئيس جلال طالباني

رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 52
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
أسباب فشل المفاوضات

* ولماذا فشلت هذه الجولة أيضا، هل هناك أخطاء حدثت منكم؟
– أعتقد بأن فرص التفاوض والتوصل الى إتفاق مع النظام كانت معدومة، فطبيعة هذا النظام لا تتناسب مع طبيعتنا.نحن كنا نريد الديمقراطية وهم لايؤمنون بها، نريد حماية حقوق الإنسان، وهم لايريدون الإعتراف بها. ودعني أورد لك مثلا، في الأيام الأولى كنت قلقا، قالوا لنا”هاتوا ما عندكم وماذا تريدون؟ قلت أعددنا أربعة أوراق بهذا الصدد وهي:
الأولى: حول توسيع صلاحيات الحكم الذاتي وتحديد مناطقها. فقالوا “حسنا هذا مقبول”.
الثانية:حول تطبيع أوضاع كردستان وإزالة آثار التعريب والتهجير القسري، ردوا أيضا بالموافقة.
ثالثا: حول المسألة الديمقراطية وتحقيقها. قالوا نقبل بها أيضا.
رابعا: حول حقوق الإنسان في العراق وتحقيقها، قالوا حسنا.
وكان قرار صدر من مجلس الأمن برقم 688 ويتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية في العراق، في البداية قالوا حسنا ولكنهم في المرة الثانية حين إستعادوا أنفاسهم وسلطتهم رفضوا كل طلباتنا الواحدة تلو الأخرى، وقالوا “ان حقوق الإنسان هي بالأساس خدعة إستعمارية ضد الدول الإشتراكية، والديمقراطية من صنع البرجوازية ونحن تقدميون، أما مسألة توسيع سلطات الحكم الذاتي فهي ليست ضرورية، لأن الحكم الذاتي قائم حاليا”.

* وبحسب تقديرك كيف استطاع النظام أن يقمع الإنتفاضة و يلحق الهزيمة بقوات البيشمركة؟
– كانت هناك عدة أسباب لنجاح الحكومة وهي:
أولا: الأسلحة والذخائر التي غنمناها بالمعارك وقعت بأيدي الناس المدنيين وليست بيد قوات البيشمركة، ولم نستطع أن نواجه الناس ونجردهم من تلك الأسلحة، فبقيت قواتنا ضعيفة من ناحية الأسلحة والذخائر.
ثانيا: لم نستطيع تقوية قوات البيشمركة لأن الفترة كانت قصيرة جدا لتسليح البيشمركة القدماء وزيادة أعداد البيشمركة من أربعة الى حدود ستة آلاف.
ثالثا: لم يكن بإستطاعتنا أن نخوض حرب الجبهات مع قوات النظام، فنحن خضنا هذه الحرب في كركوك ولكننا خسرناها، كما أن خطة الدفاع عن السليمانية وضعت بشكل خاطئ، وكما بينت سابلقا كان يفترض أن تكون تلك الخطوط عند منطقة بازيان وليس قرب سهول كركوك التي تسمح للمدرعات والدبابات بحرية الحركة والتقدم.
رابعا: هرب الناس نحو الحدود وكما قلت لك طلبت منهم العودة فأبوا، وتحدث أحمد بامرني بكتابه “في الثورة السابقة حين حدث الإنهيار كان الناس على أتم الإستعداد للعودة ومواصلة الثورة، ولكن أيا من القيادات لم تكن مستعدة لذلك، والآن القيادة مستعدة للعودة ولكن الناس لايريدون”.
في جبل أزمر إستطاع جمال محمد ومعه فقط عشرون مقاتلا من البيشمركة أن يوقفوا زحف القوات العراقية، وهذا يعني بأنه لو كان هناك ناس يدافعون فإن الجيش العراقي لم يكن بتلك القوة الرهيبة يفر من أمامها الناس.وحتى البيشمركة كانوا مشغولون حينها بإنقاذ عوائلهم والهرب معهم، ولكن بعد أن هدأت الأوضاع وإستعدنا الراحة أثناء دخولنا بالمفاوضات، تردد قول مشهور لكوسرت رسول حين قال “عندما ذهبت أنا الى التفاوض مع بغداد لم يلتف حولنا كثيرون، ولكن حين ذهب مام جلال أصبح الكل يلتف حولنا.حتى حين رجعت من بغداد وإحتشد الآلاف من البيشمركة لإستقبالي قال كوسرت “فضوهم قبل أن يراهم مام جلال ، وإلا عندما يرى كل هذا الحشد سيخرب المفاوضات وسيقول حان وقت النضال”.وفي النهاية أقول بأن ماحصل كان نتيجة السياسات الخاطئة التي لم نجن منها شيئا، فلو كانت سياساتنا صائبة ومحكمة وإستطعنا أن نمزج بين التفاوض والنضال المسلح لما حدث ماحدث

* وماكان دور الدول الإقليمية في دعم الإنتفاضة؟
– لم يكن لهم أي دور، فلا قدموا الدعم السياسي ولا الدعم اللوجستي ولا الدعم المادي، قبلا كانت إيران قد سلمتنا بعض الأسلحة والذخائر الى جانب تسهيلات للحركة داخل إيران، ولكن لم تكن لتلك المساعدات أي تأثير يذكر، مع ذلك كانت إيران من بين جميع دول الإقليم هي الوحيدة التي ساندتنا، وقامت إيران بدور آخر أرويه للتاريخ وهو إصرارها على عودة مسعود البارزاني الى كردستان العراق، فمسعود ظن بأننا إذا إنتفضنا فإن النظام سوف تضربنا بالأسلحة الكيمياوية مجددا وسيقضي عل شعبنا برمته، ولذلك ظن بأن وقت الإنتفاضة لم يحت بعد.

* وما كانت أخطاء الجبهة الكردستانية في المفاوضات؟
– لا أعتقد بأننا إرتكبنا أخطاء معينة، وسأروي للتاريخ حدثين بهذا الصدد، الأول هو أن مسعود إستعجل الأمور وإستغل النظام ذلك لكي يستعيد قوته ويفرض علينا شروطه من موقع القوة، فقد كان مسعود يردد دائما بأننا لن نحقق شيئا وبأننا حتما راجعون الى إيران، وقال إنني أفضل السجن بنقرة السلمان أفضل من العودة الى إيران. وللأسف لم يعرف بأن كل أحاديثنا التي تدور في الغرف المخصصة لإقامتنا تسجل من قبل مخابرات النظام، وكان مسعود يقول أنه لامفر من الإتفاق مع الحكومة وهذا أفضل ما نستطيع أن نفعله.وكما يبدو فإن مسعود البارزاني منذ تلك اللحظة بنى علاقته السرية مع النظام العراقي.
على كل حال تسلمنا نسخة من الإتفاقية التي عقدها مسعود معهم وناقشنا مضمونها، وبدا لنا بأن أصابع بعثية هي التي كتبت الإتفاقية، فجلها تتحدث عن دور البعث القائد وأمجاد البعث ومكاسب الثورة في العراق، مرورا بشرعنة حربي إيران و الكويت.

انفتاح الاتحاد الوطني على العالم الخارجي الاتحاد واميركا

* كيف بدأت علاقة الإتحاد الوطني مع اميركا؟
– في تحديد ذلك يجب أن نعود الى الثمانينيات، حينها كنا نلتقي ببعض الشخصيات منهم وليام إيلغتن الذي كان على الخط معنا ويلتقي أحيانا ممثلنا في أوروبا، ولكن تلك اللقاءات كانت في إطار شخصي ولم تكن رسمية، وفي بعض الأحيان يبعثون لنا بعض التوصيات و المقترحات.وحين كان إيغلتن بمثابة سفير اميركا في العراق قبل تأسيس العلاقة الرسمية بين البلدين حاول أثناء مفاوضات 1983-1984 الإتصال بنا، حتى أنه وصل الى حدود قضاء (دوكان) لكي يأتي الى مقرنا بـ(سورداش). لكن السلطات العراقية لم تسمح له بذلك.وتلك أول محاولة من الجانب الاميركي لبناء العلاقة معنا. وكان الاميركيون يشجعوننا للإستمرار بالمفاوضات مع النظام وتتويجها بإتفاق، وكانت إتصالاتهم على الأغلب تجري عن طريق ممثلنا في لندن الأستاذ عمر شيخموص.ولكن العلاقة المباشرة بين الإتحاد الوطني واميركا بدأت في نيسان من عام 1989. حين ذهبت الى واشنطن ولأول مرة إلتقى بي هناك ممثلين عن وزارة الخارجية الاميركية، إجتمع مسؤول مكتب شؤون العراق بي والدكتور لطيف رشيد والمهندس محمد جزا ومعي زوجتي هيرو. وكانت سياستهم في تلك الفترة تركز وبإلحاح على أن نتصالح مع العراق ونقبل بالأمر الواقع.
والمرة الثانية حصل لقاء آخر في عهد الرئيس رونالد ريغان ووزير خارجيته شولتز حين دعتنا الخارجية وتزامن ذلك مع موعد حضور طارق عزيز الى بناية الخارجية آنذاك.
وحين سمع بوجودنا هناك ألغى موعده مع مسؤولي الوزارة، وقال لهم “يجب أن تقدموا إعتذارا رسميا للعراق، فهذا الشخص الذي تلتقونه هو إرهابي ومعارض لنا”.ولكنهم أصدروا تصريحا رسميا بإسم الخارجية وقالوا “لن نعتذر، لأننا أحرار بمن نلتقي ولا نقبل بإملاءات من أحد”.

* وكيف تطورت العلاقة بعد ذلك والى أي حد وصلت؟
– بقيت العلاقة على هذا المنوال الى حين نشوب أزمة الكويت، فحددوا شخصا من عندهم لإدامة العلاقة بيننا تحت غطاء الدعم الإنساني، بمعنى تم تحديد العلاقة بإطار حقوق الإنسان، وقالوا لنا بصراحة لانستطيع أن نلتقيكم بصفة سياسية، وعينوا مسؤول ملف حقوق الإنسان بسفارتهم في باريس ليكون صلة الوصل بيننا وبينهم، وقبل فترة قليلة من إحتلال الكويت سافرت الى باريس و إلتقيت بهذا المسؤول الاميركي بالسفارة، وطلبت منه تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة لألبي دعوة وجهت الي من المؤتمر الوطني الكردي في اميركا، وقلت له “جاءتني دعوة من المؤتمر ولا رغبة لي بالسفر، ولكن إن وافقتم على منحي التأشيرة أريدك أن تنجزها لي بنفسك فلا أتحمل المراجعات والإجراءات الروتينية”. رد قائلا “حسنا، لاتتعب نفسك أنا سأتابع الموضوع”. أخذ مني الجواز وكلف موظفا لديه بإتمام الإجراءات وجلسنا نتجاذب أطراف الحديث، وكانت الأنباء تشير في ذلك الوقت الى إستعدادات الجيش العراقي للحركة وكانوا يعتقدون انها تحضيرات للهجوم على إسرائيل، قلت له “لا..هذه الإستعدادات لا تستهدف إسرائيل، بل هي لإحتلال الكويت، وحين يحتلها سيشكل حكومة مصطنعة ثنم سيلحق الكويت بالعراق”.! ضحك الدبلوماسي الاميركي ثم قال “هذا أمر صعب جدا تحقيقه”، قلت “لا أعرف إن كان صعبا أم لا، ولكني أعتقد بأن ماسيحصل سيغير خارطة المنطقة، بضمنها خارطة العراق، وهذا أمر لاعلاقة له بإسرائيل”، لكنه لم يقتنع بما قلت فتركته.
وبعد أن إحتل العراق الكويت، ذهبت الى المؤتمر الوطني الكردي باميركا وهناك علم الصحفيون بأني حذرت الاميركان قبل حدوث الإحتلال وبأن العراق ينوي القيام بتلك المغامرة، فسألوا متحدث الخارجية الاميركية “أن جلال طالباني حذركم مسبقا بما سيحدث، فلماذا لم تتحركوا مبكرا”، فردوا عليهم “لاتعليق”. ثم سألوه “ولماذا لاتلتقون بطالباني”؟ فردوا “إهتمامنا بالقضية الكردية تنحصر بالجانب الإنساني وحقوق الإنسان فقط، وطالباني رئيس حزب سياسي ويقود حركة سياسية تطالب بحقوق قومية، ولا يناسب سياستنا أن نلتقيه”.

احتلال الكويت

* يقال بهذا المجال أنك تنبأت في اجتماع المعهد الملكي البريطاني للعلاقات الخارجية بلندن بإحتلال الكويت؟
– نعم هذا صحيح فقد دعيت الى المعهد للإجتماع يوم 11 أيار1990 لألقي كلمة، وكتبت كلمتي باللغة العربية وأعطيتها لبرهم صالح كي يترجمها الى الإنكليزية وبعد أن ترجمها راجعناها ليلا في طريق سفرنا الى المدينة وحفطني برهم تلفظ الكلمات بشكل صحيح لأنها صعبت علي بعض الشيء وكانت الكلمة بعنوان (القضية الكردية و رؤيتنا لعقد التسعينيات) وفي مقطع منها قلت “أن الحشد العسكري الجاري في العراق هو لإحتلال الكويت”. وفصلت السيناريو بالشكل التالي: سيحتل العراق أراضي دولة الكويت وسيشكل حكومة مصطنعة ثم يلحق الكويت بالعراق وحين طرحت هذا السيناريو لم يجتذب بقية خطابي أحدا، فقد تطرقت الى أن حركتنا التحررية في كردستان إذا لم تنجح على يد العلمانيين، فإنها ستنزلق الى يد مجموعات إرهابية متطرفة، وستخرج رؤوسها في كردستان كما في بقية بلدان العالم، ولذلك يفترض بالقوى الديمقراطية في العالم أن تساند حركة التحرر الكردستانية التي هي حركة ديمقراطية تقدمية ومدنية، لم يعترض أحد على ما طرحته من مواضيع هناك، ماعدا السير جون مابروري الذي علق قائلا “مستر طالباني لايليق بك ولا بسمعة المعارضة العراقية أن تبالغ هكذا، أنا أعلم بأنكم قوة معارضة للنظام العراقي، ولكن أن تذكر مسألة إحتلال الكويت بهذه المبالغة فهذا كلام لايليق بك”! لكني أصريت على كلامي وقلت “أنتم لا ترون الأحداث كما نراها نحن، معاييرنا تختلف، فرؤيتنا بالداخل للحقائق على الأرض أوضح عما ترونها أنتم من بعيد”. وحين دعانا إدوارد مورتيمور أنا والدكتور لطيف رشيد لمأدبة عشاء وحضرها ديفيد غوريوس مسؤول قسم الشرق الأوسط بالخارجية البريطانية أعطيته نسخة من خطابي وقلت له “ركز على هذه الفقرة”. فلما قرأها قال “جلال…المبالغة ليست من شيمتك، ولاتليق بك وبشخصيتك، أنت رجل معروف ولايجب أن يذهب بك الظنون الى هذا الحد”. قلت “حسنا لندع هذا الحديث لما بعد وسنتأكد من صدقية كلامي أو مبالغته”، ومضت فترة على هذا الحوار، جاء صدرالدين أغا خان يرافقه السير جوني وكان طارق عزيز دعاهم ووجهت الدعوة إلينا أيضا.ذهبت الى السير جون وقلت له”هل تتذكر الكلمة التي ألقيتها بالمعهد الملكي”؟ قال “نعم أتذكر”. إقترب منا أغا خان وقال “عم تتحدثون مستر طالباني”؟! فرويت له القصة، فقال “بالطبع فإن أهل البلد هم أدرى بشعابه وبأحوال حكومتهم”.

* وهل تلقيت أية إشارات خارجية حول معارضة جهة أو دولة لتنامي قوة العراق في تلك الفترة؟
– نعم..فلي صديق في اميركا قال لي ذات مرة “جلال العراق أصبح قوة كبيرة وبات يشكل خطورة على أمن المنطقة، وحان الوقت لإزالة هذا الخطر، إنتظر قليلا وسترى كيف سيتم التحرش به تحت يافطة حقوق الإنسان لكي نقضي على هذا الخطر”. وكان حديثه هذا قبل إحتلال الكويت.فكتبت رسالة الى مسعود البارزاني ونوشيروان مصطفى ورويت لهما ما سمعته من هذا الصديق.وذات مساء أثناء مفاوضاتنا مع النظام دعانا طارق عزيز، أنا ومسعود ودارو شيخ نوري، وهناك سألته “أبو زياد لماذا خضتم معركة الكويت وأنتم تعرفون بأنكم ستخسرونها”؟ قال “كانت لدينا معلومات بأنهم سيزيحوننا من السلطة وسيضعفون قوتنا، ولذلك قلنا فلنذهب ونحتل الكويت لتكون بأيدينا ورقة نتبادلها معهم، نسلمهم الكويت ويكفون أذاهم عنا، ولكن المسـألة أخذت مسارا غير ما توقعناه”. فإلتفت نحو مسعود وقلت له “هل تتذكر أنني كتبت إليك ونوشيروان رسالة بهذا الصدد”؟ قال “نعم ومازالت الرسالة موجودة عندي”، إنبرى طارق عزيز وقال “ماهذا أبو شلال منين عرفت”؟ قلت “من نفس المصدر اللي أنت عرفت منهم”. وضحكنا جميعا.

اللقاءات الرسمية وغير الرسمية

* حسنا، لماذا لم يلتقوك خارج إطار اللقاءات الرسمية أو بعيدا عن الأضواء الإعلامية؟
– حدث ذلك فعلا.فقد دعونا الى مطعم صيني قريب من مبنى الخارجية، ودفعوا فقط حسابي أما ألاخرين فقد دفعوه من جيوبهم، هناك سألوني عن جملة مسائل متعلقة بمستقبل العراق. وذات يوم كنت في الفندق جاء رجل وقال بأنه من جهاز المخابرات الاميركية (سي ايه اي) فقلت”مرحبا بك، أعطاني إسم أحد الأصدقاء الكرد وقال “هو يعرفني”، سألت عنه الصديق المذكور قال “نعم أعرفه وأبلغته بأنك موجود هنا”. سألني الرجل عن حجم قواتنا وما نستطيع أن نفعله، و وجه أسئلة أخرى بهذا الإطار.فقلت له “إمكانياتنا ليست قليلة ونستطيع أن نفعل أشياء كثيرة”، وكنت حينذاك أتحدث بإسم الجبهة الكردستانية وإمكانياتها الكبيرة وبعد يوم جاءني مرة أخرى وقال “ألا تمانع لو نشرك شخصا آخر بهذا اللقاء وهو أيضا يحب لقائك”؟ قلت “لامانع لدي”، وجاء الشخص وسألاني “هل ستشاركوننا إذا خضنا حربا ضد العراق”؟ قلت “هذه مسألة مهمة لا أستطيع أن أقررها دون عودتي الى الوطن ومشاورة رفاقي بالجبهة الكردستانية”. قال أحدهما “إذا شاركتمونا ستكون لكم حصة من الكعكة، وإذا لم تشاركوا لن نعطيكم شيئا”. ولتوضيح فكرته أكثر قال “هل تعرف لعبة البوكر”؟ قلت “نعم أعرفها”، قال “إذا لعبت هذه اللعبة هناك إحتمالان فإما تربح أو تخسر، ولكن اللعبة التي نحن بصددها لا خسارة فيها! لأننا رابحون في كل الأحوال، فأنت تعرف بأن العراق لن يقدر على مواجهتنا، فإذا بقيت معنا ستربح بالتأكيد وستكون لك حصة معتبرة، أما إذا رفضت فلن تحصل منا سوى على البقشيش، هذه فرصة جاءتكم فقرروا ما ترون”. سألته “حسنا، ولكن قل لي ماذا ستعطوننا”؟ قال “سنمدكم بالأموال والأسلحة”، قلت “وهل من الناحية السياسية تعدوننا أن تحققوا لنا شيئا بالمستقبل”؟ قال “الآن لا أعرف يجب أن أستشير مدرائي”. وبعد مدة سأل مديره الذي يسميه بـ “الدكتور” فعاد وقال “الدكتور تحدث الى الرئيس فقال نعم سنعطيهم ما يريدون”.

* وماذا كان موقف قيادة الإتحاد الوطني والجبهة الكردستانية من تلك العروض الاميركية المغرية؟

– بعد أن تلقيت رد (الدكتور) وعرفت موقفهم، كتبت رسالة الى مسعود البارزاني و نوشيروان مصطفى ورفاق آخرين بالداخل وأوضحت لهم مجمل ما دار هناك، ردوا على رسالتي بأن الجبهة الكردستانية لا توافق على التعاون وأنها غير مستعدة لقبول العرض الاميركي وبرروا ذلك بالقول “ان العراق سينسحب من الكويت ولن توجه إليه الضربة، فلا حاجة لكي نبلي أنفسنا بالبلاء الاميركي، فإن وقفنا ضد النظام سيستخدم الأسلحة الكيمياوية ضدنا وسيفني شعبنا، والأهم من ذلك أننا لانثق باميركا ووعودها”. أبلغت الاميركان بموقف رفاقي ورفضهم التعاون بميدان المعركة، ولكن من الممكن أن يقتصر تعاوننا بمجالات أخرى ونحن سعداء بتحرير الكويت.

* وهل كان لهم تعليق على موقف الجبهة الكردستانية؟
– تعاملوا معه كأمر عادي.ودعني أحدثك عن واقعة حدثت بعد ذلك.فأثناء تحرير كركوك خابرني نوشيروان وكنت حينذاك في دمشق وقال “مام جلال حاول أن تتحدث الى الاميركان لكي يمنعوا القوات العراقية من التقدم نحو مناطقنا”.فهاتفت ذلك الرجل الإستخباري وأبلغته الطلب فقال “مستر طالباني ألا تتذكر حينما قلت لك إذا لعبت البوكر ستربح وتكون لك حصة، وإذا لم تلعب فلا نعطيك سوى البقشيش، هذا بقشيشكم”! أوصلت الرد الى رفاقي وأبلغتهم “بأن الاميركان لن يتعاونوا فإعتمدوا على أنفسكم”.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة