المفوضية.. باقية وتتمدد

باكورة قرارات مجلس النواب الجديد تمثلت بإعادة الاعتبار للمفوضية المستقلة للانتخابات، تثمينا لدورها المميز في إدارة ملحمة الانتخابات الأخيرة والتي دخلنا من خلالها لسجل غينتس للأرقام القياسية، عندما تم الإعلان عن نتائجها النهائية بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على إجرائها، وما رافقها من غزوات وحرائق وجنجلوتيات وآثار لم تنته حتى يومنا هذا.
ومثل هذا القرار ينسجم وروح الامتنان التي يكنها النواب الجدد لهذه المؤسسة العريقة في “مهنيتها واستقلاليتها”، كما انه يرسم بوضوح ملامح المرحلة المقبلة، والتي لن تنحرف عما تعرفنا عليه في جميع الدورات الانتخابية التي خاضها سكان هذا الوطن القديم بعد زوال النظام المباد.
ومن يتابع مجريات تشكيل الحكومة الجديدة والدور الفعلي لرئيسها المكلف السيد عادل عبد المهدي، سيكتشف بيسر وسهولة عمق وحجم الالتزام التي ابدته الكتل في عدم التفريط بما تستحقه من حقائب ومواقع وامتيازات وحصص، حيث تبخر سريعاً كل ما تم الترويج له؛ عن الإصلاح والتغيير وتشكيل حكومة على أساس وطيد من المهنية والعلمية والكفاءة وغير ذلك من المعايير التي اغتربت عنا منذ زمن بعيد. مثل هذه القرارات (استرداد مفوضية الانتخابات لسطوتها) رغم أنف المعطيات والتقارير والتجربة العملية؛ التي حددتها كأضعف وأفشل مفوضية عرفتها تجربتنا الفتية في مجال الانتخابات؛ يعني اننـا أمـام دورة اخـرى مـن العجـز والإحبـاط وهـدر جديـد للطاقـات والوقـت والفـرص.
قرارات ومواقف تؤكد ما أشرنا اليه مراراً وتكراراً؛ حول طبيعة هذه الطبقة السياسية ونوع مقاصدها القريبة والبعيدة، المتنافرة وكل ما له صلة بمشاريع تنتشل هذا الوطن المنكوب وشعوبه من شتى الرطانات والخرق والهلوسات، مما انحدروا اليه في العقود الاربعة الاخيرة. لقد توهم البعض بإمكانية حصول تحول ما في الموقف من المفوضية، بعد تجميد عملها وتحويله الى جهات قضائية بعد فضيحة التصويت الإلكتروني وتقنياته المستوردة بمبالغ كبيرة، حيث لم يمر وقت طويل حتى وصل العد اليدوي تحت إشراف القضاة الى نفس النتائج والأرقام والأسمـاء، لننتهـي جميـعاً الـى حيـث النهايات الفولكـلوريـة والتـي لا يعـرف فيهـا لا الحـق ولا أهلـه..!
لقد مر كل شيء من دون أدنى ازعاج لجميع الكتل المتنفذة، فحرائق الصناديق وتقنيات التزوير والمبالغ الاسطورية التي مولت الحملات الانتخابية وغير ذلك الكثير من الخروقات والدعاوى القضائية، جميعها شدت رحالها مع خبر كان والاشباح والمجهولين وصولات التماس الكهربائي..
المفوضية “المستقلة” للانتخابات وغيرها من المؤسسات والهيئات والمفوضيات، التي وجدت كي تؤسس لمرحلة الانتقال من النظام التوليتاري الى الديمقراطي، تم الاجهاز عليها وتقاسمها وفقاً لمشيئة المحاصصة وحيتانها الشرهة، ومع مثل هذه القسمة العاثرة المستندة على اساس وطيد من الجهل والتخلف وتفشي قيم العبودية والتبعية والإذلال، لا ينبغي علينا ان نتفاجئ مما سوف نحصده من ثمار لا تقل مرارة عما تجرعناه مع كل دورة انتخابية. طبعاً، هذا المشهد المأساوي لا ينفي حقيقة ان السبيل الديمقراطي وآلياته المجربة هي الكفيل بانتشالنا من محنتنا العتيدة، لكن لهذا السبيل المجرب شروط ومستلزمات، كي يحقق غاياته واهدافه المنسجمة والحاجات الاساسية للمجتمعات الحديثة. وما حصل لدينا حتى هذه اللحظة هي محاولات شرسة لزعامات الصدفة واشباه السياسيين للالتفاف والانفراد بالغنيمة بعيداً عن ورطتها الديمقراطية…
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة