ثمن المقعد الرئاسي

محمد علي الجاف

تتواصل المشاورات والمحادثات غير الرسمية بين القوى السياسية العراقية حول صيغة من التفاهم بشأن توزيع المناصب السيادية في الحكومة القادمة ، وبحسب المؤشرات المتاحة لحد الآن يبدو أن الصيغة التي إتفقت عليها تلك القوى في السنوات التي أعقبت سقوط النظام الدكتاتوري السابق، ستعتمد مرة أخرى في قادم الأيام ، ونقصد بها توزيع الرئاسات الثلاث بين المكونات الرئيسة وهي ، الشيعة والسنة والكرد ، بحيث ستذهب رئاسة الحكومة كالعادة الى المكون الشيعي ، ورئاسة البرلمان الى المكون السني ، ورئاسة الدولة الى المكون الكردي ، فلا يبدو في الأفق إجراء أي تغيير بهذه الصيغة والتي تعد هي الأنسب للحفاظ على النسيج الإجتماعي في العراق .
برغم أن إشارات عديدة وردت وخصوصا من الجانب الكردي بضرورة تغيير هذا الواقع وذلك بسعي القيادات الكردية للحصول على رئاسة البرلمان على إعتبار أن معظم المشكلات التي يعاني منها الكرد في العراق هي مشكلات دستورية وتشريعية ، وقد أدلى بعض السياسيين الكرد فعلا بتصريحات بهذا الشأن ، لكن الوضع الحالي والمشاورات التي تجري من وراء الكواليس لحد الآن تتجه معظمها الى إعتماد الصيغة التوافقية السابقة .
ومن هنا فإن منصب رئاسة الجمهورية سيظل بيد الجانب الكردي ، وحسب تفاهمات سابقة بين الحزبين الرئيسين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني سيبقى هذا المنصب ضمن حصة الاتحاد الوطني ، فالتفاهم الذي جرى قبل عدة سنوات بين هذين الحزبين ، يقضي بتخصيص منصب رئاسة العراق للإتحاد الوطني ، مقابل منصب رئاسة الإقليم لصالح الديمقراطي الكردستاني ، وعلى الرغم من أن منصب رئاسة الإقليم معلق حاليا بسبب إنتهاء ولاية السيد مسعود البارزاني ، ولكن ذلك لايعني إلغاء هذا المنصب الذي سيظل قائما ، وقد يتجه حزب بارزاني الى ملئه في وقت لاحق إذا ما سنحت الفرصة ذلك . وحتى لو ألغي هذا المنصب ، فإن منصب رئيس حكومة الإقليم تقابل واقعيا منصب رئاسة الجمهورية في العراق ، خصوصا حين يتم تقاسم السلطة بين الحزبين الرئيسين في كردستان على وفق تفاهمات مشتركة ، لأنه لايجوز أن تبقى كل المناصب السيادية والكبيرة في الإقليم والعراق بيد حزب واحد .
لحد الآن هنالك مرشحان فقط تقدما بأوراقهما الرسمية للترشح لمنصب رئيس الجمهورية وهما، الدكتور عبداللطيف رشيد الوزير العراقي السابق و كبير مستشاري رئيس الجمهورية الحالي وهو قيادي بارز في الاتحاد الوطني الكردستاني ورفيق عمر الرئيس الراحل جلال طالباني ، والآخر هو الدكتور محمد صابر إسماعيل سفير العراق الأسبق في جمهورية الصين وهو بدوره سياسي معروف أدار في مراحل متعددة مكتب علاقات الاتحاد الوطني في فرنسا ثم الولايات المتحدة . ولكن ذلك لم يمنع بعض الأطراف الكردية أن تسعى للتقدم بمرشحين بدلاء لشغل المنصب ، وترد أسماء متعددة بهذا الشأن ، لعل في مقدمتها اسم برهم صالح المرشح الذي خسر مسابقة الترشح للرئاسة بالدورة السابقة ومنافسة الدكتور فؤاد معصوم . ولكن يبدو أن حظوظ برهم لا تساعده في تبوء هذا المنصب للعديد من الأسباب التي سنتناولها بهذا المقال .
فبرهم إنشق حاليا وخرج من صفوف الاتحاد الوطني وشكل كيانا سياسيا معاديا للاتحاد الوطني ، وهذا يعني بأن المنصب المخصص كحصة للاتحاد الوطني لايمكن شغله من غير عضو بهذا الحزب .
ثم أن برهم صالح لم يحصل في الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب العراقي سوى على مقعدين يتيمين ، وبرغم كونه معروفا على مستوى السياسة لشغله العديد من المناصب الحساسة في المراحل السابقة بما فيها منصب رئاسة حكومة الإقليم لمرتين متتابعتين ، ولكنه لايحظى بالشعبية المطلوبة لدى جماهير شعبه ، بدليل سقوطه المدوي في الانتخابات الأخيرة ، حتى أن حزبا جديدا يدعى ( الجيل الجديد) والذي أنشيء من قبل رئيس شركة ( جافيلاند ) السياحية في السليمانية قبل شهرين فقط من تنظيم الانتخابات الأخيرة حصل على ضعف عدد مقاعد كيان برهم السياسي ، وعليه فإن تعيين برهم رئيسا للجمهورية بمقعدين فقط سيكون بمنزلة فضيحة مدوية بالنسبة للعملية السياسية في العراق .
وحتى لو إفترضنا أن الدستور يكفل لكل فرد عراقي حقه في الترشح لمنصب الرئاسة، لكن من المعلوم أيضا أن التصويت داخل البرلمان العراقي سيكون هو الفيصل ووفقا لتفاهمات سياسية مسبقة ، وبذلك لا يمكن إغفال حجم الاتحاد الوطني وعدد مقاعده ودوره البارز في تاريخ العملية السياسية ودوره الكبير في المعارضة العراقية ، لصالح شخص خارج إطار التوافقات السياسية.
هناك محاولات سرية من بعض الشخصيات والأطراف السياسية لتقديم برهم صالح للمنصب ، ليس حبا ببرهم وتقديرا لدوره السياسي ، بل من أجل تحقيق مصالح شخصية لبعض القيادات ، أو نكاية بمرشحي الاتحاد الوطني ، خصوصا وأن هناك معلومات تشير الى أن حزب بارزاني يعمل بهذا الاتجاه بالتعاون مع بعض الأشخاص المتنفذين داخل قيادة الاتحاد الوطني من المواليين لحزب بارزاني ، وذلك لإزاحة مرشحي الاتحاد الوطني ، ولكن ينسى هؤلاء بأن وزن الاتحاد الوطني على الصعيدين الكردستاني والعراقي سيفشل هذه المحاولة ، فمصير حكم حزب بارزاني في إقليم كردستان مرهون تماما بمدى توافقه مع الاتحاد الوطني سواء في حكم كردستان أو العراق ، ولا أعتقد بأن حزب بارزاني سيضحي بعلاقته الاستراتيجية وبمصير توافقه السياسي مع الاتحاد الوطني لتقديم مرشح منافس لمرشحي الاتحاد الوطني . وعليه فإن المنصب سيؤول بما لايدع مجالا للشك الى أحد مرشحي الاتحاد الوطني ، أما القرار النهائي فسيبقى بيد أعضاء مجلس النواب فيمن سيختارونه من بين مرشحي الاتحاد الوطني لشغل هذا المنصب الذي برغم كونه منصبا بروتوكوليا، لكنه منصب مهم إذا ما نجح مجلس النواب العراقي في إختيار الشخص المؤهل للقيام بنفس الدور الذي قام به الراحل جلال طالباني عندما أصبح فعلا رمزا لوحدة العراق وصمام أمان البلاد..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة