رسام البورتريه سامي أمين: المحظورات تقيد رسامي الكاريكاتير

وفاء صبيح

لم يكن سهلًا دخوله إلى عالم البورتريه الكاريكاتيري، إذ لا باب يفتح دون موهبة فذة تدقه بإصرار. رسام البورتريه المصري، سامي أمين، بدأ حياته الفنية في مجلة (صباح الخير) المتفردة في اهتمامها بالفنون الجميلة، التي قيل إنها دخلت كل بيت، وقراؤها لا يترددون في قص أغلفتها وكأنها معرض أسبوعي للفن، وهي التي ضمت عبر تاريخها أسماء فنانين كبار كجمال كامل، هبة عنايت، إيهاب شاكر.
وسط زحمة هؤلاء الرواد وفي «عصر العمالقة لم يكن دخولي بالأمر السهل واحتجت لجهد كبير حتى أضع قدمي وسطهم، ولاحقًا كي أصبح مديرًا فنيًا في (صباح الخير)». درس أمين في «كلية التجارة. نعم. غير أني وفي الفترة نفسها، كنت أدرس في كلية الفنون الجميلة، ثم كلية التربية الفنية، والأهم أنني تتلمذت على يد والدي الذي كان من الرواد المهمين في فن الجرافيك بمصر».
على الرغم من تأثر أمين بـ»شريف عليش، أحد رواد فن الكاريكاتير وجورج البهجوري، ورجائي ونيس، وjean mulatier وغيرهم؛ لكني أعتقد أن لي أسلوبي الخاص».
في أسلوبه الخاص مال أمين في بداياته نحو التعبيرية، واستخدم الألوان في رسومات الغلاف للموضوعات الاجتماعية، ثم صار له حيز كامل لرسم البورتريه الكاريكاتيري لفنانين كبار باللونين الأسود والأبيض، له ما له وعليه ما عليه، من ليونة في الخط والمبالغة في حجم الرأس دون بقية تفاصيل الجسد، بأسلوب راق ينم عن ذوق في تناول الشخصيات سواء كانت فنية، اقتصادية، رياضية، وحتى السياسية. ولم يسلم القذافي أو حسني مبارك من شرور البورتريه، لكن ذلك يتطلب من الفنان «القدرة على التقاط ما يميز الشخصية من ناحية الشكل والمضمون. البورتريه الكاريكاتيري يعتمد على المبالغة لتجسيد وتوضيح وتأكيد الملامح، وبالطبع هي تخضع أيضًا لقواعد الجمال، والتكوين المتناسق».
ريشة الفنان سامي أمين ميالة إلى الاهتمام الكبير بالكتلة بحيث تبدو شخوصه المرسومة بارزة على سطح اللوحات، بألوان جميلة ومليئة بالحيوية، يسجل من خلالها مشاهير الفن والثقافة على صفحات (صباح الخير) و(روز اليوسف)، في ترجمة تشكيلية تعبيرية لوجوه تلك الشخصيات (يسرا، شريهان، سميحة أيوب، سيد مكاوي، عبد المطلب، النقشبندي … إلخ)
لرسامي الكاريكاتير السياسي نكهة خاصة في العالم العربي، ولم لا؟ وهو الفن الملتزم إلى حد بعيد بالقضايا السياسية المصيرية، وتبعاتها التي تصل حد الملاحقة أو الاعتقال أو القتل، وناجي العلي نموذجًا صالحًا لكل مكان وزمان.
«الكاريكاتير وثيق الصلة بالمناخ السياسي والحريات عمومًا، وبالوضع الرقابي، و حاله من حال حرية التعبير وهي نادرة. هناك العديد من المحظورات في الكثير من دول عالمنا العربي، وعلى مدار تاريخ طويل من القمع والاستبداد، وهذا يقودنا إلى قيود من نوع آخر، شدتها لا تقل عن المناخ السياسي الممنوح، ألا وهي الصحف التي تضع قيودًا على الرسامين، وعلى الموضوعات التي يتناولها الرسام. القيادات السياسية عمومًا لا تحب النقد والرأي الآخر؛ ولذلك الكاريكاتير غير مرغوب فيه أصلًا، بالإضافة إلى التيارات الدينية السياسية التي تحارب فن الرسم عمومًا، وتقدم إفتاءات كثيرة بحق الفن وتحاربه من جذوره، وكلنا يدرك الدور الذي لعبه الإعلام الديني السياسي في فترة الإخوان ثم السلفيين في مصر، والهجوم على رسامي الكاريكاتير والإفتاء بقتلهم». ولا أعتقد أن ما حصل مع المجلة الفرنسية مجلة (شارلي إيبدو) إلا مؤشر خطير يترك أثره البالغ على الفن عموما».
خط (صباح الخير) الاجتماعي، المجلة التي تولى سامي أمين مهمة إخراجها الفني، لم يقف حائلًا أمام الانتقال إلى العمل النقيض، وتقديم رسم كاريكاتيري أسبوعي في أعرق المجلات المصرية (روز اليوسف). «أنا أتشرف بانتمائي لمدرسة روز اليوسف الرائدة، إذ لا فرق كبير بين العمل في مدرستين مختلفتين المهم ما يريد الفنان أن يقدمه للذوق العام».
يسود لدى بعض فناني الكاريكاتير المصري ظاهرة «الفن الكاريكاتيري المسيء إلى المرأة المصرية» من حيث طرح مواضيع اجتماعية ترسخ فكرة المرأة المصرية «المسترجلة» مثلًا. أمين لم ينكر وجود الأمر، لكن بالمقابل «تولت فنانات الكاريكاتير النساء مهمة التصدي. بالتأكيد البعض يقدم صورة سلبية عن المرأة، ولكن هناك نماذج تفعل العكس بالدفاع عن قضاياها مثل رسامة الكاريكاتير دعاء العدل. هي تناولت قضايا المرأة في الكثير من أعمالها ولها كتاب كاريكاتير يجمع أعمالها عن التحرش والمجتمع الذكوري والزواج المبكر والختان… إلخ. بالإضافة إلى أسماء أخرى لها حضورها مثل ياسمين مأمون ومنى عبد الرحمن، وفاطمة حسن».
عاد أمين مؤخرًا للرسم باللونين المتضادين (فحم، رصاص)، وقد شغلا مؤخرًا مساحات واسعة من أعماله المنجزة، ما يوحي بتحضير لمعرض يليق بها «قد يرى البعض أن استخدامي لهذين اللونين المتضادين نوع من الحنين إلى الماضي، لكن الأمر بعيد عن هذا، واستخدامهما يرتبط بالمطبوعة التي أرسم لها، فهي تطبع أغلب صفحاتها بالأبيض والأسود، ومن جهة أخرى أحضّر لمعرض شخصي، دون أن أحدد مواضيع معينة، رغم قناعتي أن الكاريكاتير هو فن مرتبط بالميديا أكثر، وأن الجدران ليست مكانه، وإن كان هذا لا بأس به، فالمعارض وخاصة العربية والدولية لها دور مهم في التواصل الثقافي والمعرفي بين الفنانين والمهتمين بهذا الفن، وأحاول أن أنظم معرضًا في القريب العاجل، لكن لم أستقر على الموضوع حتى الآن. الصعوبة تكون في الوقت».
يقول أمين إن: «الثورات العربية قدمت لفن الكاريكاتير العديد من الوجوه الجديدة، ولكن العمل مرتبط بحرية التعبير والحريات العامة بشكل عام».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة