مفترق طرق

مفترق الطرق، في المدلول السياسي والتاريخي، هو منطقة توازن حساسة وخطيرة لا تتحمل الخطأ أو العناد او المراهنة على الحظ. كل الاحتمالات واردة.
في الاحوال العسكرية تبرز لذوي النظر نقاط مجابهة قد تندفع نحو مواقع سيادية (الحدود. انتاج النفط. التعايش الديني.) جنبا الى جنب مع آليات استيعاب النصر والهزيمة.
وفي الصراع السياسي، كما يجري لدينا ونحن ندخل اخطر تنافس انتخابي منذ 2023 يتجسد مفترق الطرق في ما اذا يعود اصحاب مشروع المحاصصة علانية او بواجهات براقة، او تتمكن الملايين من قلب المعادلة التشريعية ووضع اساسيات دولة المواطنة، ويتفرع «المفترق» الى احتقانات ورائحة بارود في بيت الاكثرية (الكتلة الاكبر) وفي بيوت اخرى ، وحتى في داخل كل فصيل وحزب وتجمع وعشيرة، فتتراجع هوامش التسويات الى ادنى مساحة لها، فيما تتأزم خطوط الاتصال والصفقات والتعهدات العلنية والسرية بين الزعامات وجماعات النفوذ والمقامات.
السؤال الاستباقي هو: من الذي اوصل العراق الى هذا الحال؟ السؤال(في التحليل الموضوعي) مهم وإشكالي، وينطوي على محاسبات وقصاص، لكن قبل ذلك يلزم تأشير الخطايا والاخطاء الكثيرة التي ارتكبت ودفعت الملايين العراقية ثمنها الباهظ من مواكب القتلى والنزوح والاحتراب والمجاعة والخوف، في وقت ينأى الذين ارتكبوا كل تلك الموبقات عن الاعتراف بما ارتكبوه.
عندما وقف موسوليني في شرفته ورأى روما في مفترق طرق، وعلى شفير الهزيمة التفت الى الكاردينال شوستر يسترشد فيه الى الخطوة المقبلة، قال له الرجل الحكيم: “حان الوقت للاعتراف بخطاياك” ومما له مغزى ان طلب الاعتراف هذا جاء متأخرا، فقد كانت روما تعبر مفترق الطرق الى الهزيمة فالخراب.
ومن غير مبالغة فقد ادخلت المحاصصة الطائفية والاثنية العراق في ما يشبه سلسلة من افلام الرعب، الارهاب مرعب. انتشار الاسلحة والراجمات في الاحياء والشوارع مرعب. الفساد مرعب. التفجيرات مرعبة. الاختطافات مرعبة. الاحتقان الطائفي مرعب. الشخصانية السياسية مرعبة. تهديدات الجيران مرعبة. اسعار المواد المعيشية مرعبة. الثراء الفاحش مرعب. الفقر الجماعي مرعب.
الدعاية الانتخابية للمسؤولين عن ضياع الدولة والدماء والثروات تبدو للمراقب بانها مستعارة من عالم هيتشكوك باقل قدر من الاناقة الفنية والتشويق والدم البارد، وباكثر قدر من الصفاقة والوحشية وعدم المبالاة.
الستارة على المشهد بين ان تنزل وتجعله من الماضي.. او ان مفترق الطرق ينفتح على كابوس جديد.
**********
ابو ذر الغفاري:
«لا حاجة لي في دنياكم»
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة