مدينة الصور

مدن العراق في عامها الثامن عشر بعد الألفين لا تشبهها مدن أخرى فعلى قَدْرِ خرابها تزدحم جدرانها بالصور و الاسماء الرنّانة والشعارات المتوهجة بالحماسة الوطنية والأهازيج الثورية وإذا هي كجسد منخور ، يستر عورة حاضره ب( صور شعرية ) تزخرف أيامه بالبوسترات والهاشتاكات .. فأعذب الشعر أكذبه .. هذه المدينة تختلف كثيراً عن مدينة لؤي حمزة عباس . وإن تشابهت الآن مع أخواتها المدن..
وفي صباح نيساني تفتّحت عيون بغداد والمدن العراقية الأخرى على أسراب من الصور ، فأينما تولي وجهك ثمة صورة لمرشح انتخابي ببدلة أنيقة وابتسامة ينشق لها الخدان ، تشبه ابتسامة دافينشي ، بما تضمره من قلق وخوف وخداع .. مازال المواطن تخدعه الابتسامة ؟!. وشتان ما بين تشدق الخدين وبراءة ابتسامة شهيد أمسى أريكة حديدية تتوسدها صور الأنيقين .
ومثلما أدهشتنا سيمياء الصورة فاجأتنا لغة الشعارات الانتخابية ، إذ تعكس الرتابة في الخطاب والأفق الضيق والتحجر الثقافي ومحاولة احتكار العقل العراقي الجمعي ضمن أنساقهم الدينية والإجتماعية القبلية ، فماذا أفهم من ( إحنه گده ، راجعلهم ، الجهاد الأكبر ، الفتح ، …. ) أليست هذه الجمل التركيبية ذات محمولات دينية وقبلية ورجعية ؟ . والأدّهى من ذلك أنهم يوهمون المتلقي بأن الرداءة السياسية الماضية أو الحالية هم بريئون منها براءة الوطن من دم الكاذبين وأن الويلات كلها تقع على عاتق الآخر المنافس ، علمًا أنهم كانوا ضمن كتلة واحدة في الانتخابات السابقة والحكومة الحالية .
وعلى ذكر المخيبات للآمال الوطنية والتساؤلات التي تطرحها الدهشة . مَنْ سمح للمرشّح أن يُنْبِتَ صورته ويشتلها على الرصيف ؟. فهل أذِنت له الحكومة ؟ أم أن ( الشراكة السياسية ) كافية بالسماح لهم ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم ؟ . أعتقد أن هذه الممارسات تعكس البرزخية الحكومية والسياسية، وإلّا ما الذي أضمر قرع طبول الفساد ومحاسبتهم وكشف ملفاتهم ؟ حتى تحوّلت إلى ( شعار انتخابي جديد ) تتاجر به القوائم الانتخابية وهي – بالتأكيد – تجارة لا تبور . فاللمفات والحمد لله تكفي للكشخة السياسية سنين عددا وتكفي لتلجم أفواه آخرين ممن يحاولون المنافسة السلطوية .. والمسكين ( الوطن ) بين هذين الفكّين .. ومسكين أيضاً حين فتح عيونه ليردد :
إنّي لأفتح عيني حين أفتحها على كثيرٍ ولكن لا أرى أحدا.
احمد مهدي الزبيدي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة