جيمس جيفري
و مايكل نايتس
(1ـ2)
على الرغم من الأزمة الأمنية في العراق التي دامت خمسة عشر عاماً والتي كان من شأنها أن تغرق معظم المجتمعات، تسجل البلاد زيادات سنوية في إنتاج النفط، مما جعل قطاع الطاقة العراقي قصة نجاح عالمية. وفي المرحلة القادمة، قد تستغل إيران وحلفاؤها الغاز والنفط العراقي أو سيتم استخدامهما لصالح العراق، مما سيحوّل البلاد إلى مركز لتصدير الطاقة بين دول الخليج وتركيا وأوروبا. لدى الولايات المتحدة مصلحة استراتيجية قوية في تعزيز الاحتمال الأخير.
قطاع سريع النمو
في مؤتمر «نفط العراق» الذي عقدته «مجموعة «سي دبليو سي»» (CWC Group) في برلين في أواخر الشهر الماضي، تم إبلاغ المسؤولين وممثلي الشركات والمحللين بأن العراق قد أصبح دولةً قوية تحتل المركز الثاني في إنتاج النفط في «منظمة الدول المصدرة للنفط» («أوبك»)، مقترباً من إنتاج 5 ملايين برميل يومياً في العام الماضي، مع تصدير ما يقرب من 4 ملايين برميل. بالإضافة إلى ذلك، تخطط بغداد لإنشاء برنامج ضخم لضخ مياه البحر بهدف زيادة الإنتاج أولاً إلى 7 ملايين برميل يومياً، ولاحقاً إلى 9 ملايين برميل. وتجدر الإشارة إلى أن الهدف الأخير سيضع العراق على مستوى المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وروسيا.
كما إن إمكانات العراق في إنتاج الغاز هائلة هي الأخرى ـ إذ تهدر البلاد كمية غير عادية قدرها 16 مليار متر مكعب سنوياً من إحراق الغاز وحده، أو 0.5 بالمائة من الإنتاج العالمي. وسيكون المشروع المشترك بين شركتي «شل» و»ميتسوبيشي» والحكومة العراقية أكبر جهد يبذل لتجميع الغاز في العالم، مما يوفر 2 مليار متر مكعب سنوياً لتوليد الكهرباء التي تشتد الحاجة إليها. وتتمثل خطة العراق الطموحة في تجميع كل إنتاجه من الغاز واستخدامه دون إحداث أي تسرب بحلول عام 2021. أما الهدف الأول فهو استبدال المنتجات النفطية الأكثر تكلفةً، والأقل فعاليةً، والأكثر تلويثاً، لكن إذا وصل العراق إلى هدفه في تجميع الغاز، فقد لا يصبح مُصدّراً للغاز فحسب، بل محوراً أيضاً لعبور الغاز يربط تركيا وإيران وسوريا والأردن والمملكة العربية السعودية، وغيرها من الاقتصادات الرئيسية.
نفط كردستان وكركوك
إن العقبة الأكثر إلحاحاً لهذه الخطط هي صراع بغداد المستمر مع «حكومة إقليم كردستان» على النفط من شمال العراق. فحقول كركوك شائكة بشكل خاص، حيث أدت إلى نشوب نزاع تورّطت فيه كل من تركيا وإيران، مع قيام واشنطن بدور الوسيط في بعض الأحيان.
وقد بدأت المشكلة عندما منح دستور عام 2005 دوراً مهماً لـ «حكومة إقليم كردستان» في تطوير الحقول «الجديدة»، وهو ما فعلته برغبة الانتقام من خلال مراودة شركات النفط العالمية وتوقيع عقود تقضي بمشاركة الإنتاج. غير أن الدستور تطلب أيضاً من الحكومة الاتحادية – عبر «شركة تسويق النفط العراقية» (SOMO) – تسويق الإنتاج من كل مكان في البلاد، بما في ذلك من «إقليم كردستان»، وفي المقابل، خصصت الميزانية الاتحادية حوالي 17 في المائة من عائدات النفط لـ «حكومة إقليم كردستان» (ما يقرب من 12 في المائة عندما تم الاستغناء عن بعض النفقات الوطنية، رغم أن الأرقام والتعريفات المرتبطة بها كانت غامضة منذ فترة طويلة). وعادةً لم تسمح «حكومة إقليم كردستان» لـ «شركة تسويق النفط العراقية» بتسويق نفطها، لذلك لم يتم دفع الإيرادات الاتحادية في كثير من الأحيان. أما اليوم، فإن الميزانية العراقية الأخيرة لا تمنح الأكراد سوى ما يقرب من 12.5 في المائة من الدخل النفطي المتوقع. وقد سعى الطرفان مراراً وتكراراً إلى مناقشة خلافاتهما بمساعدة الولايات المتحدة، لكن دائماً ما انتهى بهما الأمر في الإخلال في اتفاقاتهما وتجديد النزاع.
وعندما اجتاح تنظيم «الدولة الإسلامية» شمال البلاد في عام 2014، لم يدافع الجيش العراقي عن مدينة كركوك وحقولها النفطية، بل كانت قوات البيشمركة الكردية هي التي قامت بذلك، واستولت على الحقول وبدأت بتصدير النفط من كركوك عبر خط أنابيب «إقليم كردستان» إلى الحدود التركية ومن ثم إلى ميناء جيهان. وفي معظم الأحيان، قامت بتسويق النفط نفسه بدلاً من المنتجات الثانوية. فلم يروق الأمر لبغداد ولكن لم يكن لديها خيار في ذلك الوقت.
ومع هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، رأت الحكومة المركزية فرصتها، وخاصةً بعد الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته «حكومة إقليم كردستان» في إجراء استفتاء حول الاستقلال في أيلول/سبتمبر الماضي. فوسط ضغوط إقليمية كبيرة على الأكراد، سحقت بغداد محاولة تحقيق استقلالهم واستعادت كركوك.
ويتمحور الخلاف الآن حول كيفية تصدير نفط كركوك وتسويقه، ومن سيسوّق نفط «حكومة إقليم كردستان» الذي لا يزال يتدفق إلى ميناء جيهان. وفي غضون ذلك، يتم حصر ما يقدّر بنحو 300,000 برميل في اليوم [من نفط] كركوك.
في الغد الحلقة الثانية من المقال
*جيمس إف. جيفري، زميل متميز في زمالة «فيليب سولوندز» في معهد واشنطن، والسفير الأمريكي السابق في العراق وتركيا. ومايكل نايتس، زميل «ليفر» في المعهد وقد عمل على نطاق واسع في مشاريع الطاقة داخل العراق.