يوم الخميس المصادف 15/2/2018 في الساعة التاسعة والنصف صباحاً استضافت فضائية العراقية (التابعة لشبكة الإعلام العراقي) في برنامج (فنجان الصباح) الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور ناصر الكناني للتعليق على ما تمخض عنه (مؤتمر الكويت) لإعادة إعمار العراق. ما جرى خلال ذلك اللقاء الذي لم تتجرأ الفضائية الممولة من المال العام من الاستمرار به، يعدّ متنافرا ووظيفة مؤسسة وجدت أساساً كي تشق الطريق أمام العراقيين لامتلاك إعلام جديد حر ومهني ومستقل، لكنها تحولت الى شيء آخر لا علاقة له بذلك الهدف الوطني والحضاري. المضحك المبكي أن اللقاء بدأ بما يشبه النكتة؛ عندما شكر الضيف مضيفيه لكونها المرة الأولى له على فضائية العراقية، هذا الجواب فهمه مقدما البرنامج بشكل آخر، لذا أبدت مقدمة البرنامج إعجابها بالشجاعة الأدبية للضيف وعدم ارتباكه أمام الكاميرا، مما اضطر الضيف لتصحيح الفهم المتسرع والمرتبك لجوابه. بعد ذلك بدأ الضيف التحدث عن انطباعاته حول (مؤتمر الكويت) والتي كانت متشائمة، وعدّها مذلة للعراق ولا تليق به، وتعكس عدم جدية المشاركين وبنحو خاص الدولة المضيفة (الكويت) للوقوف الى جانبنا في مهمة البناء وإعادة الإعمار، فجأة قطع الحوار وذهب البرنامج الى فاصل، وبعد العودة للبرنامج دعانا مقدم البرنامج لمشاهدة عرض للأزياء في إحدى المدن الأوربية، ليتواصل البرنامج من دون أن نعرف ما حل بضيف الحلقة الدكتور ناصر الكناني، والذي يبدو أن الجهة المسؤولة عن اختيار ضيوف برامج العراقية، قد خانتها فراستها المجربة ولم تصب الهدف هذه المرة، لأنها اعتادت على استضافة ضيوف لا يحيدون عن اللون والخطاب والإيقاع المرسوم لها من مطابخ الإعلام العراقي الجديد..!
قد تبدو هذه الحادثة بسيطة أو عابرة للبعض، إلا أنها غير ذلك تماماً، وهي كقطرة الماء يمكنها أن تحدثنا عن البنية الاساسية لهذه المؤسسة ونوع القيم والمعايير السائدة فيها والملاكات المعتمدة لديها، وهي تعيد للذاكرة ممارسات وسلوكيات وتقاليد، يفترض أن يتم الحجر عليها؛ بعد أن ألحقت أبلغ الضرر بأغلى خصائص الإنسان (العقل والضمير). طبعاً بمقدور هذه الحادثة أن تكشف لنا الكثير من العيوب التي لا يمكن السكوت عليها في الشبكة التي وجدت كملاذ آمن لحماية ما تعرّض للانقراض زمن النظام المباد، أي (حرية التعبير) أساس استقرار وازدهار المجتمعات والدول. كان يفترض بهذه المؤسسة التي وجدت لتسير على خطى الـ بي بي سي البريطانية، أن تحفر على واجهة مدخلها عبارة فولتير الشهيرة: (قد أختلف معك في الرأي، لكنني سأدافع حتى الموت؛ عن حقك في أن تقول ما تريد)، لا أن تعيد تدوير منهج التبعية والذيلية للحكومة والحكام، والذي نضح بشكل مؤسف في سلوكها الأخير مع ضيف برنامجها المنوع (فنجان الصباح) والذي لا يعكس قلة الحصافة في التعاطي مع الضيف وحسب بل عدم احترام لمتابعي ومشاهدي هذه الفضائية الممولة من المال العام. إن استمرار التعاطي باللامبالاة مع أخطر حقل في الحياة الحديثة (الإعلام) ووضعه بيد مخلوقات الأحزاب والكتل المتنفذة على أساس المحاصصة وغيرها من معايير متنافرة وقيم هذا الحقل الحيوي، يعني الحكم بالفشل المسبق لكل الفزعات التي تدعي الإصلاح والتغيير أو التنمية وإعادة الإعمار، فالخطوة الأولى في طريق الألف ميل تبدأ بالتأسيس لإعلام لا يتحسس سلطاته بمواجهة حرية التعبير والرأي المغاير…!
جمال جصاني
فنجان العراقية
التعليقات مغلقة