مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
جاسم محمد*
الحلقة 34

الشهيد الكساسبة تم اعدامه في 3 يناير 2015
الخبر ربما لم يمثل صدمة الى الحكومة الاردنية، كون الاستخبارات الاردنية حصلت على معلومات بأن الشهيد الطيار اعدم في الثالث من يناير 2015، لكن الحكومة الاردنية لم تعلن ذلك لحسابات تتعلق باحترامها مشاعر عائلة الشهيد والشارع الاردني. هذه المعلومة دعت الحكومة الاردنية ان تطلب تكرارا ومرارا من التنظيم اثبات بأن الكساسبة مازال حيا في مفاوضات استمرت اكثر من شهر مع التنظيم عبر قنوات تفاوضية ابرزها عشائر عراقية سنية بالاضافة الى تركيا كون الاخيرة ترتيط بعلاقة طيبة مع التنظيم وسبق ان تعاملت بالافراج عن رهائنها مابعد اجتياح داعش لمدينة الموصل في يونيو 2014.
التنظيم ربما قتل الكساسبة للثار و”اشفاء صدور” مقاتليه يوم 3 يناير 2015 وهي الفترة التي قتل فيها عدد من قيادات القاعدة بينهم قيادات ميدانية في الانبار.
وممكن ان التنظيم استعجل بقتله لتجنب خلافات شرعية داخل التنظيم للتعامل مع الاسير الشهيد
لكن رغم ذلك هو اراد ابقاء مقتل الاسير سرا من اجل
• استقطاب اعلامي واهتمام دولي
• خلق حالة من الشد النفسي والترقب عند الشارع العربي
• الرهان على تحريك الشارع الاردني ضد حكومته خاصة جماعته من التيار السلفي الاخواني، بسبب موقف الاردن في مواجهة الارهاب.
• خلط اوراق الرهينتين مع اوراق الكساسبة.
• ايجاد خلافات داخل التحالف الدولي

مصير الكساسبة كان مجهولا
اعدم تنظيم “داعش” يوم 25 يناير 2015 احدى الرهينتين اليابانيتين، وهذا الحادث أثار ردود فعل دولية غاضبة، أدانت ما وصفته بالعمل الوحشي ودعت لإطلاق سراح رهينة ياباني ثانٍ مازال قيد الاعتقال لدى التنظيم. وفي رسالة صوتية للتنظيم، طالب مجددا بالإفراج عن ساجدة الريشاوي، المحكوم عليها بالإعدام في الأردن مقابل الإفراج عن “جوتو”. هدد التنظيم يوم 27 يناير بقتل الرهينة الياباني والطيار الأردني اللذين يحتجزهما خلال 24 ساعة ما لم يتم الإفراج عن ساجدة الريشاوي المحكوم عليها بالإعدام في الأردن، بحسب تسجيل نشر يوم 28 يناير 2015، على مواقع تعنى بأخبار التنظيمات “الجهادية” “سايت”. وظهرت في التسجيل صورة الرهينة الياباني الصحافي “كينجي غوتو” وهو يحمل صورة للطيار الأردني “معاذ الكساسبة” ويقول في رسالة صوتية : [أي تأخير من قبل الحكومة الأردنية يعني أنها ستكون مسؤولة عن مقتل الطيار الأردني ثم مقتلي، لدي فقط 24 ساعة متبقية وأمام الطيار أقل من ذلك] .
إن داعش كان يتفاوض بفك الرهينة الريشاوي والافراج عن الكساسبة، رغم اعدامه للاخير، فهو لم يعلن عن اعدام الكساسبة التي تمت بطريقة بشعة يوم الثالث من يناير 2015 حسب معلومات الاستخبارات الاردنية وربما يعود للدوافع التالية:
• الحصول على الاستقطاب الاعلامي، وهذا من خلال تغطية وسائل الاعلام المحلية والدولية التي كانت تتابع موقف ونتائج المفاوضات ومصير الطيار الاسير بالاضافة الى الرهينتين اليابانيتين.
• إن داعش خلط اوراق الرهينتين اليابانيتين مع الاسير الطيار الكساسبة مقابل الافراج عن ساجدة الربشاوي المحتجزة عند الحكومة الاردنية منذ عام 2005 والمتورط بعمليات تفجير انتحارية. وترك خلالها مصير الطيار الاردني الاسير مجهولا.
• ايجاد خلافات داخل دول التحالف الدولي، والشارع الاردني، حول موقف الاردن ومشاركته في مواجهة التنظيم؟ والرهان على جماعته من التيار السلفي لتحريك الشارع الاردني ضد حكومته.
• خلق حالة من الشد النفسي وضغوطات على الحكومة الاردنية وخاصة شخص العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، ربما تغير موقف الاردن من التحالف من وجهة نظره، مراهنا هذه المرة على تيار الاسلام السياسي وتنظيم جماعة الاخوان في الاردن التي كانت تحاول استثمار قضية الكساسبة لمصالحها المتعارضة مع مصلحة الشعب والحكومة الاردنية.
لماذا يتعمد تنظيم “داعش” اعدام رهائنه بطرق بشعة؟
يركز التنظيم على إظهار وحشيته والتمرد والسطوة من اجل اشباع رغبات غالبية انصاره ومقاتليه داخل التنظيم التي تقوم على اساس القتل والثأر.الوحشية هي أبرز سمات هذه الجماعة التي فاقت القاعدة وتنظيمات اخرى وحشية ونتج عنها استقطاب المزيد من المقاتليين. أما طريقة عرض الرهائن وذبحهم، فقد كانت موضع اهتمام وكالات الاستخبارات الدولية أكثر من الاهتمام الإعلامي. التنظيم استثمر الرهائن لتكون مادة اعلامية بايصال الرسائل من خلال ارسال رسائل الى عائلاتهم وحكوماتهم وحمل صور لرهائن اخرى واجراء مقابلات مع البعض منهم مثلما فعلتها مع الشهيد الكساسبة على مجلته “دابق”.
الطريقة التي يتم بها ذبح الرهينة واخيرا طريقة الحرق مع الكساسبة أيضاً هي الاخرى أثارت الاهتمام. فخبراء الاستخبارات والمعنيون في وسائل الإعلام ذكروا ان الطريقة التي يقدم بها هذا التنظيم مواده هي طريقة متقدمة جداً بسبب استخدام نوعية كاميرات واستديوهات متقدمة وصفوها بأنها طريقة هوليودية وذكرت التقارير أن التنظيم يستعين بخبراء معنيين بالتصوير والمؤثرات السمعية والصورية في التصوير من خلال إعداد المقاتلين الأجانب.

لماذ اعدم التنظيم الكساسبة بهذه السرعة
إن اعدام التنظيم الى الكساسبة دون الاعلان عنه وبالطريقة البشعة ربما تكون للاسباب التالية:
• لغرض الثأر من الحكومة الاردنية التي تلعب دورا رئيسيا في مكافحة الارهاب اقليميا ودوليا ودورها داخل التحالف الدولي.
• ممكن ان يكون بطلب من التيار السلفي “الجهادي” الاخواني في الشارع الاردني، الذي يكن الحقد والعداء للحكومة والشعب الاردني.
• رد عنيف على اطراف عشائرية عراقية سنية تدخلت بالتوسط للافراج عن الكساسبة، بسبب حالات الانشقاق التي يشهدها التنظيم من الداخل خاصة في محافظة الانبار ومقاتلة غالبية عشائر الانبار هذا التنظيم.
• ان تأريخ اعدام الكساسبة يوم 3 يناير 2014 جاء متزامنا مع مقتل عدد من قيادات التنظيم الميدانية في محافظة الانبار.
• تجنب الخلافات “الشرعية” داخل قيادات التنظيم.

تداعيات
ورغم ان التنظيم يوصف باذكي وكان قائما على منظومة وحلقة إستخبارية مغلقة، فان اقدامه على اعدام الرهينة الكساسبة بهذه الطريقة وبهذه السرعة جعل التنظيم يخسر الكثير بسبب التداعيات التالية:
• إن اعدام الاسير الشهيد الكساسية بهذه الطريقة المروعة والبشعة، يثير الكثير من حالة الرفض عند الشارع العربي وربما حتى عند بعض الجماعات المسلحة الاقل تطرفا، كون الكساسبة مسلما يحرم حرقة ومن يدين بألاديان السماوية.
• زيادة تماسك الشعب الاردني وحكومته، بمواجهة الارهاب وتنظيم داعش وغيره من الجماعات “الجهادية” بعد ان كانت بعض المجموعات من الشعب الاردني توصف بالتراخي في مواجهة هذا لتنظيم وهذا ينطبق ايضا على الشارع العربي.
• تصعيد التعاون العسكري والاستخباري داخل التحالف الدولي، والذي ربما يرتقي الى وجود قوات عربية برية، كون الارهاب لم يعد مقتصرا على العراق وسوريا.
• فرض قيود اكثر على التيار السلفي “الجهادي” ورفض شعبي له.
هذه التداعيات من شأنها ان تصعد وتحرك الشار ع والحكومات العربية لايجاد سبل حقيقية على الارض لمواجهة الارهاب وفي نفس الوقت يصعد من الجهد الاستخباري لدول التحالف الدولي والاقليمي برصد ومتابعة اماكن الاسرى عن داعش داخل “ولاياته” في العراق وسوريا واصدار قوانين جديدة اكثر شدة بتوجه المواطنين الى الكناطق الساخنة ابرزها العراق وسوريا في اعقاب الجريمة المروعة البشعة بأعدام الشهيد الكساسبة.

معالجة الحواضن “الجهادية” في الدول الفاشلة
الدولة الفاشلة هي تلك الدولة الضعيفة أو التي تفقد السيطرة على أراضيها، وتفقد تامين الحماية الى ثرواتها الطبيعية والبشرية. أن استمرار ومطاولة الفوضى في دول المنطقة من شأنه ان يخلق دول فاشلة بانهيار مؤسساتها، ويحول ابنائها لان تقاتل بالوكالة لصالح اطراف خارجية. الدول الفاشلة، حسب تعريف الباحث “نعوم تشومسكي” هي الدول غير القادرة في حماية مواطنيها من العنف. اما “مايكل مازار” فيقول في احدى دراساته “لقد وجدت الولايات المتحدة ضالتها في خطر”الدولة الفاشلة” الذي بدأت في الترويج له، كونه تراه أبرز مصادر تهديد الأمن القومي الأمريكي، بل وتهديد السلم والأمن الدوليين”. وهذا ماجعل وجود ترابط مابين وجود التدخل الاميركي في العالم والمنطقة وفشل الدول، ابرزها الصومال وافغانستان والعراق واليمن. الكاتب الفلسفي زهير الخويلدي يقول في دراسته “لا يشكل الارهاب ظاهرة استثنائية وعارضة بل يدخل في صلب وجودنا الفردي والاجتماعي، تتنوع أشكاله المفرطة والعنيفة وتبلغ حدا يصبح معه من العبث الحلم بامكانية القضاء عليه”.
التنظيمات القاعدية “الجهادية” توجد دائما في الدول الفاشلة او تلك الدول التي تعيش تحت معدلات الفقر، يعتبر العراق على سبيل المثال من الدول الغنية، لكنه يصنف دولة فاشلة بسبب التراجع الذي شهدته الدولة العراقية، وابرز الاسباب هي الفساد والتسييس وغياب الهوية الوطنية. اما اليمن وافغانستان فربما ظروفهما الاقتصادية تختلف وممكن تصنيفهما بانهما من الدول الفقيرة بالاضافة الى الصومال، ليكون الفقر الى جانب الفشل السياسي ابرز الاسباب التي تعمل على ظهور التنظيمات “الجهادية” والمتطرفة.

فراغ السلطة
هذه التنظيمات تستغل فراغ السلطة، بفرض سيطرتها وتعاليمها الاسلاموية على المجتمعات وتطرح نفسها في البدء مدافعا عن حقوق الضعفاء، وتستقطب المقاتليين الجدد، لتتحول بعد ذلك الى مركز للحوكمة والسيطرة والتسلط عليها وهذا ما كان واضحا بأنتشار طالبان في افغانستان والتنظيمات القاعدية الاخرى في الدول المذكورة. وبالتوازي مع هذه التنظيمات” الجهادية” تظهرمجموعات المسلحة الصغيرة او كبيرة على شكل الميليشيات، بعد ان تحصل على التمويل والدعم والتدريب بالاضافة الى تعاظم سطوة العشائر.
فعندما تفقد الدولة سلطتها على المدن والبلدات، تعطي فرصة الى ترعرع تلك الجماعات المسلحة و”الجهادية” بكل درجاتها وانواعها الى النمو، وتدريجيا تستقوي على سلطة الدولة والقانون، لتتحول المناطق التي تقع تحت سيطرتها الى حواضن وملاذات امنة تتكاثر فيها. يشار ان تنظيم القاعدة و”الدولة الاسلامية” تعتمد في عملها على الحواضن، وكثيرا ماتقوم هذه التنظيمات بالمصاهرة والتجانس والتعايش، هذه السياسة تؤمن لها التخفي والحماية ولتكون قياداتها غير ظاهرة على السطح مما يعطيها حماية اكثر. الجماعات “الجهادية” تقفز على مشاكل المجتمعات، لتضع نفسها بديلا، وتستغل سياسات التهميش والاقصاء والسياسات الخاطئة لنشرايدلوجيتها “الجهادية” لذلك هنالك اجماع عند المعنيين في مكافحة الارهاب وسيكولوجية الارهاب واسبابه، بان السياسات الخاطئة تلعب دورا رئيسيا في تحول الفرد الى هذه الجماعات بالاضافة الى العوامل الدافعة الاخرى.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة