أوهام المثقف.. وصناعة الأسئلة

ازاء الأحداث الفاجعة، كيف للمثقف أن يجد طريقه لاتخاذ موقف ما؟ وهل سيكون هذا الموقف تعبيراً عن وعي بالأحداث، أم نزوعاً إلى التمرد على أوهامه؟
هذه الأسئلة باتت أكثر مدعاة للتحفيز على المواجهة، وعلى اعادة ترسيم علاقة المثقف – بوصفه رائياً أو صانعاً للرأي- بالأشياء التي تحوطه، اذ لا مناص من ادراك خطورة أن يقف هذا المثقف في الظل، أو أن يكون عاطلاً عن ممارسة أي وظيفة فاعلة للكشف أو الاحتجاج أو استعادة فعل الثورة.
ثمة من يقول ان مفهوم الثورة فقد ضرورته وبريقه، وربما لأنه جزء من سرديات الايديولوجيا وحساسياتها ومرجعياتها، وثمة آخر يحمّل فعل الثورة ما يشبه النزق أو استجلاب المزيد من الضحايا كما يحدث الآن في غزة..
هذا القول أو غيره لا يعني التعبير عن ارادة حقيقية بوعي المحنة، أو محاولة التخلص من فوبيا الضحية التي تلبست العقل العربي منذ هزيمة حزيران، اذ يعني المزيد من الانخراط في استيهامات الذل والخنوع وحتى التابعية، مقابل ما بات يتضخم أمامنا من حركات وأدلجات وعقائد مسكونة بأوهام التاريخ والقوة، والذي تحوّل الى مناطق مضادة للعقل ولمواجهة أي ارادة للتغيير، ولايجاد آفاق أخرى لتجاوز عقد الأصوليات التي تهدد أي طريق للحداثة والتنوير والديمقراطية والحرية والحوار مع الآخر، حتى تلبّس الصراع أقنعة غرائبية، وراح يتدحرج باتجاه أكثر عنفاً، وأكثر تجريداً، فضلاً عن خروجه عن أي سياق قابل للفهم والجدل، اذ استغرقته أسئلة غير مؤنسنة، وباعثة على الريبة، فهل ما يحدث اليوم فعلاً من استلابات عربية في العراق واليمن وليبيا وسوريا ومصر وتونس وحتى في لبنان هو تعبير عن نهاية فادحة للتاريخ العربي؟
هذا الاستنتاج لا يعني هنا استعارة طروحات فوكوياما، بقدر ما يعني مكاشفة لما يجسده الواقع العربي، ولما يعكسه من انهيارات سريعة لم تعد فيها طروحات (الاحياء) القديمة، ولا قومانية الأحزاب القديمة قادرة على رؤية ملابسات ما يحدث، وحتى ان مثقفي الثورة القدامى فقدوا القدرة على ربط الأسباب بالنتائج، أو الاستعانة بأي معطى يمكنه تبرير أي احساس فاجع بالهزيمة، تلك التي غيرت معادلات الوعي، ومفاهيم الخطاب، وبداهات المعرفة بالأرض والفكرة والأمة، وحتى المعرفة بالعدو الذي تربت ذاكرتنا على تصور ملامحه ولغته وحمولاته الثقافية والسياسية وحتى الدينية..
الحاجة الى اعادة النظر في مفهوم الثورة، يعني الحاجة إلى ما يشبه الصدمة، أو إلى التخلص من رهاب الخطيئة، خطيئة قتل الأخ، أو حتى قتل الأب الفرويدي، اذ ستكون الثورة إدراكاً اضطرارياً للخلاص والتطهير، ولاعادة وضع الوعي (الشقي) في سياق استعمالي لتجاوز عقدة الوعي المخذول، الوعي الذي كرسته الآيديولوجيات الدوغمائية، والاستبدادات السلطوية، والفقهيات التي نزعت عن التاريخ كل قمصانه العائلية وتركت جسده الثقافي عرضة للاصابة بعدوى مصاصي الدماء، أو مؤدلجي العقائد من فقهاء الظلام.. الثورة هنا كسر للايهام، واعادة الوعي الى لعبته في المناورة وفي الكشف وفي صناعة الأسئلة…

علي حسن الفواز

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة