عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق
تشن القوات المسلحة بجميع فصائلها معركة بطولية لتحرير تلعفر، وتحقق حسب التقارير الواردة، نجاحات سريعة، وهو ما يتمناه الجميع خصوصاً اهالي تلعفر انفسهم الذين عانوا الامرين خلال السنوات الطويلة الماضية. فالانتصار في معركة الموصل طور ايجابياً الكثير من الامور، ليس العسكرية فقط، بل السياسية والاجتماعية ايضاً. فالانتصار في معركة الموصل غيّر الاجواء، ورفع من قدرات ومكانة البلاد، ورسم خارطة للعلاقة بين مكوناتها، واوجد بوصلة واضحة لتوجهاتها العامة، لا تخلو من الكثير من العناصر الايجابية.
هذه الصورة المتفائلة يجب ان لا تبعدنا عن الواقعية، وعمق القضايا.. فـ»داعش» ما زالت قوة كبيرة، برغم هزائمها المتكررة في العراق وسوريا. وتحتل مناطق شاسعة، ولديها الاف المقاتلين، وشبكات واسعة، تتحرك في دول عديدة، كما تشهد شبكاتها الاوروبية. قلنا ونقولها مراراً ان الارهاب و»داعش» يمثلان امة السوء، المتكاملة بشعبها ومجتمعها واقتصادياتها وتاريخها وفكرها ووسائلها وانماط حياتها. فالارهاب احياناً «دولة» وارضا وسكانا وقوانينا واوراقا، كـ»القاعدة» في افغانستان، او كـ»دولة العراق والشام».. واحياناً جماعات وشبكات فاعلة تتواجد داخل المساجد والمدارس وفي المؤسسات والاحياء تختلط بمظاهر مكشوفة او مستورة مع شعوبها، مستغلة كل اشكال الشرعية والازمات والضعف لتوسيع مناطق نفوذها وقدراتها. وان محاربة «دولة» الارهاب وازاحتها من الخارطة، كما يحصل في العراق وسوريا، اسهل بكثير من محاربتها كفكر وتاريخ ومجتمع وشعب يستطيع التكيف والانتقال واعادة انتاج نفسه، بل التوسع، كما يحدث اليوم في افغانستان، وافريقيا وجنوب شرق اسيا، خصوصاً في الفلبين في منطقة «ماراوي».
ما لم تتحول محاربة «داعش» وفكر «الارهاب» الى اولوية جدية لكل الدول والمجتمعات، والتوقف عن تسمية اي خلاف بالاخر ارهاباً، وعدم الخلط بين الارهاب التكفيري الذي يقطع الرؤوس ويحرق الناس احياء، وبقية الخلافات مهما كان عمقها وجديتها، فانه سيصعب القضاء على الارهاب، ومناشئه ومنابعه واساليبه الدموية. اما الواقع، فما زال عكس ذلك في حالات كثيرة بين هذه الدولة وتلك، وهذه القوة وغيرها. فالبعض يخلط بين محاربة «داعش» والاسلام.. ومحاربة «داعش» وتلك الدولة او ذلك الحزب والتنظيم. لهذا سيصعب القضاء على «داعش»، الا مؤقتاً، وموقعياً، لتنتشر من جديد في اوقات مختلفة واماكن جديدة، باشكال جديدة/قديمة يسمح بها فكرها وبناءاتها وامتداداتها، من دون الحاجة لهياكل او قدرات مالية.. واسلوب القتل «دعساً»، وما يسمى بالعمليات المجانية، سوى امثلة.
ما لم يصبح الشيعي ملجأ السني، والسني ملجأ الشيعي.. واصحاب الديانات السماوية ملاجىء بعضهم. وما لم يصبح العراقيون بكافة تلاوينهم، والتركي والسعودي والايراني والعراقي والمصري وغيرهم ملجأ بعضهم البعض..
وما لم يصبح الديني ملجأ العلماني، والعلماني ملجأ الديني.. وما لم يصبح العالم الغربي والشرقي ملجأ العالم الاسلامي، والعالم الاسلامي ملجأ العالم الغربي والشرقي.. ليتحد الجميع على محاربة «داعش» واخواتها، وتحريم فكرها بكل اشكاله، فان الانتصار على الارهاب سيكون امراً متعذراً. وهنا، سيقدم كثيرون مئات الشواهد الواقعية لاستحالة ذلك.. لكن التاريخ مليء باحداث كان يستحيل مواجهتها من دون التقاء المتضادات. وبرغم ان الأمثلة تضرب ولا تقاس،
لكننا نذكر ان ستالين وضع يده في يد تشرشل، ووضع الغرب يده بيد الشرق، واتحدت ايديولوجيات متضادة، التي لولا اتحادها، ما هُزمت النازية والفاشستية يومها. وان من اقنع الجميع ليس جهداً بينهم، بل هو النازية نفسها التي استمرت في التقدم وتهديدهم جميعاً، حتى ارغمتهم للجلوس سوية. فتنازلات «تشامبرلن» رئيس وزراء بريطانيا امام هتلر اعطت الفرصة للاخير لاحتلال المزيد من الاراضي، ولم يدرك الانكليز ما يهددهم الا بعد اجتياح بولندا.. وسمحت المعاهدة السوفياتية الالمانية (1939)، لالمانيا بالوصول الى «المانش» قبال بريطانيا، ولم ينتبه السوفيات للخطر الذي يهددهم الا عندما اعلن هتلر عملية «بارباروسا» في 1941 ضد الاتحاد السوفياتي.
«داعش» المثال الحقيقي للارهاب، ستقنع الجميع ان لا خيار آخر سوى الاتحاد ضدها.
فالجميع، من دون استثناء مهدد بفكرها وممارساتها وتاريخها، فـ»داعش» تكفر وتستهدف الجميع.
تحرير تلعفر.. محطة مهمة، وليس نهاية الخط
التعليقات مغلقة