خمسة ملايين برميل يومياً عام 2017 ..هل هو هدف قابل للتحقيق؟

لهب عطا عبد الوهاب
اقتصادي عراقي متخصص في شؤون الطاقة
يمتلك العراق احتياطيات نفطية مؤكدة تصل الى 147 مليار برميل (ما يضعه في المرتبة الرابعة عالمياً بعد فنزويلا والسعودية وايران) بيد ان الصناعة النفطية العراقية عانت الكثير، ولاسيما في تسعينيات القرن الماضي نتيجةً للحصار الاقتصادي – أثر غزوها للكويت عام 1990 – والذي استبدل لاحقاً بما يعرف ببرنامج «النفط مقابل الغذاء» برعاية الأمم المتحدة. وقد حرم الحصار المذكور الصناعة النفطية من أستيراد التقانة المطلوبة بحجة أن هذه التقانة ذات استعمالات مزدوجة يمكن توظيفها لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، والتي أثبتت الأحداث لاحقا خلو البلاد منها .
وقد شهد العراق منذ مطلع عام2003 تغيرات جذرية طالت نظامه السياسي وتركيبته الاجتماعية، ولم تكن صناعة النفط بمنأى عن هذه الأحداث. ومن قصص النجاح القليلة في عراق ما بعد 2003 هو التطور الملموس والمطرد في أنتاج النفط الذي ارتفع من 2.5 مليون برميل يومياً في نيسان 2003 الى 4.7 مليون برميل يومياً في حزيران 2017 جراء ما يعرف بجولات التراخيص إذ أستعان العراق بالشركات النفطية الأجنبية اضافة إلى الجهد الوطني لملاكه لزيادة إنتاجه – حيث كان المخطط أن يصل الإنتاج الى 12 مليون برميل يومياً بنهاية عام 2020 – وهو هدف أثبتت الظروف عدم واقعيته. وكانت أغلب العقود التي أبرمها العراق مع الشركات الأجنبية هي عقود خدمة تحصل الشركات بموجبه ما يتراوح بين دولار ونصف الدولار الى دولارين لكل برميل أضافي يتم إنتاجه (شمل ذلك حصراً حقول النفط في جنوب البلاد) بخلاف عقود المشاركة في الإنتاج PSA لزيادة الإنتاج في الحقول النفطية في كردستان العراق، والتي ينظر إليها بأنها تصادر الاحتياطي النفطي للأجيال المقبلة لحساب الشركات النفطية الأجنبية التي يسيل لها اللعاب لمثل هذه العقود، إذ تزيد من قيمتها السوقية في بورصتي التداول في نيويورك ولندن. وقد أثار هذا حفيظة الحكومة الاتحادية في بغداد. كما أن الخلاف ما زال يعصف في العلاقة بين المركز والإقليم مع غياب قانون الثروة الهيدروكربونية التي تؤطر لهذه العلاقة، علماً بأن القانون المذكور تم إقراره عام 2007 إلا أنه ما يزال حبيس الأدراج في مجلس الوزراء.
إن تطلع العراق زيادة إنتاجه الى خمسة مليون برميل يومياً هو هدف يمكن تحقيقه بالرغم من التزام العراق بأتفاق منظمة الأقطار المصدرة للبترول، اوبك خفض الإنتاج إلى 32.5 مليون برميل يومياً في آواخر تشرين ثاني 2016 وكانت حصة العراق من التخفيض المذكور 205 الف برميل يومياً. وهو الأتفاق الذي مدد له لاحقاً ليبقى ساري المفعول لغاية نيسان 2018. وقد قبل العراق بالاتفاق المذكور على مضض، إذ كان حرياً بالمنظمة أن تستثنيه من إجراءات الخفض أسوةً بليبيا ونيجريا وفنزويلا، لا سيما وأن العراق يمر بمرحلة إعادة تأهيل لاقتصاده، كما يواجه حرباً ضروس ضد تنظيم داعش الأرهابي وبالرغم من تحرير الموصل من أثام هذا التنظيم البربري مازالت مناطق عديدة تخضع لنفوذه منها مدينة تلعفر (جنوب غرب الموصل) والقائم وحديثة في المنطقة الغربية من محافظة الأنبار.
وكان أنتاج العراق قبل أن تدخل اتفاقية الأوبك حيز التنفيذ في كانون الثاني 2017 يصل الى 4.6 مليون برميل يومياً. وبحسب وكالة بلومبرغ، فإن التطورات التي تشهدها الحقول النفطية في غرب القرنة / 1 وحلفاية والزبير قد تمكن العراق من الوصول الى هدفه المنشود، أي ولوج رقم خمسة مليون برميل يومياً بنهاية عام2017. إلا أن تجاوز إنتاج خمسة مليون برميل يومياً هو تحدي قد لا تقوى حكومة بغداد على مواجهته، فهناك معوقات عديدة منها شحة المياه المطلوبة للحقن في الآبار للأبقاء على الضغط المطلوب في المكامن النفطية، إضافة الى عقود النفط التي لا تروق بنودها كثيراً للشركات الأجنبية التي تسعى الى الربح السريع. وهنالك برنامج لحفر 30 بئراً في حقل مجنون إلا أن الاختناقات في منشآت معالجة النفط قد تحول دون ذلك.
خلاصة القول، إن التطورات التي تشهدها الصناعة النفطية العراقية قد تمكنها من أن تلعب ما يعرف بــ دور بيضة القبان في السوق النفطية العالمية التي تعاني أصلاً من تخمة في الامتدادات.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة