3ـ3
احمد موسى جياد
الاطار الثالث: المذكرة المفتوحة
افاد مستشار الاقليم بيوار خنسي ان «حكومة اقليم كردستان وقعت مذكرة تفاهم مع شركة روز نفط الروسية في مجال الطاقة»، مؤكدا «ان هذه المذكرة هي الان مذكرة مفتوحة لمدة 4 اشهر لتباحث الوفود ما بين الشركة والاقليم في مجال العمل»، الا ان قسم المعلومات لشركة روزنفط لم يشر الى هذه المذكرة.
المهم في الامرهنا ان هذه المذكرة قد تمثل مرحلة انتقالية يتم خلالها اكمال جميع الاجراءات التنفيذية المتعلقة بالعقود والاتفاقيات المذكورة في الاطارين اعلاه.
التموضع الاستراتيجي والجيوسياسي الروسي
من الناحية التحليلية توفر الاتفاقيات والعقود الناجمة عنها فرصاً ملائمة للتموضع الاستراتيجي لشركة روزنفط في القطاع النفطي للاقليم من جهة ومزية جيوسياسية لروسيا في الاقليم وتعزيز هذه المزية في العراق وفي المنطقة من جهة ثانية.
فبالنسبة لشركة روزنفط تمثل هذه الاتفاقيات الدخول الفعلي الى الاقليم بعد تعثر المحاولات السابقة وخاصة من خلال شركة اكسون موبل الاميركية (التي تربطهما اتفاقيات تعاون في مجال التنقيب في الجزء الروسي من القطب الشمالي).
ففي شهر شباط 2014 تداولت مصادر الصناعة النفطية الدولية معلومات عن مفاوضات جدية بين شركتي اكسون موبل وروزنفط بشأن مشاركة الثانية في العقود التي وقعتها الاولى في الاقليم.
لم تثمر تلك المفاوضات ولم يتم الاستمرار فيها ربما لأسباب عديدة منها:
1- احتلال داعش لمدينة الموصل في منتصف حزيران من عام 2014 ومناطق اخرى لاحقا مما يشكل «مخاطرسياسية/امنية»؛
2- تزامن ذلك مع بداية الانهيار المؤثر في اسعار النفط مما يشكل «مخاطر مالية واقتصادية» فاعلة؛
3- احتمالية حصول شركة روزنفط على معلومات تتعلق بتقييم الرقع الاستكشافية لشركة اكسون موبل والتي كشفتها ويكي ليكس لاحقا كما ذكر اعلاه، وهذا يمثل تشخيصا «لمخاطر اعمال- بزنس رسكس»؛ 4- عدم رغبة شركة روزنفط بالظهور وكأنها تقف مع شركة اكسون موبل ضد الحكومة الاتحادية (ومن الجدير بالذكر ان اكسون موبل سبق ان حاولت في عام 2012 اشراك روزنفط في حقل غرب القرنه 1 في جنوب العراق الا انها لم تفلح أيضا وقد دخلت شركة (سي ان بي سي) الصينية بدلا منها):
5- ان قرار الحكومة الاميركية الأخير والقاضي بعدم استثناء اكسون موبل من العقوبات الاقتصادية على روسيا (وتعني فعليا التعاون مع روزنفط) قد اضعف الى حد كبير جدا او انهى اية احتمالية للتعاون بين الشركتين في كردستان العراق.
اما بالنسبة للحكومة الروسية فان هذه الاتفاقيات سوف تعزز تموضعها الجيوسياسي في كردستان وفي العراق وفي المنطقة للاعتبارات التالية:
1- ان دخول هذه الشركة الروسية (التي تمتلك الحكومة الغالبية في هيكل ملكيتها) وبهذا النطاق الواسع في الاقليم يأتي بعد مغادرة او تقليل نشاطات شركات نفطية غربية كبيرة مثل اكسون موبل وتوتال؛
2- تتواجد شركة روسية اخرى في الاقليم وهي كازبروم نفط. كازبروم هي المشغل للرقعتين شاكال وحلبجة وبحصة 80% في كل منهما، اما في الرقعة الثالثة كارميان فان حصتها تبلغ 40% وانها اصبحت المشغل في نهاية شهر شباط 2016 . وهذا يعني ان ثمانية من الرقع الاستكشافية في الاقليم سيتم ادارتها من قبل شركتين روسيتين وبموجب اتفاقيات المشاركة في الانتاج؛
3- اما في بقية اجزاء العراق حيث عقود الخدمة بعيدة المدى (وليس المشاركة في الانتاج) فان الشركات الروسية النفطية تسهم في حقلين نفطيين وفي رقعتين استكشافيتين. شركة كازبروم هي المشغل لحقل بدرة وبحصة 30% (من أجور الخدمة قبل استقطاع ضريبة دخل الشركات النفطية)؛ وشركة روزنفط هي المشغل للرقعة الاستكشافية 12 وبحصة كاملة وذلك بعد استحواذها على هذه الرقعة من شركة روسية اخرى وهي باش نفط وانسحاب شركة بريميم اويل من هذه الرقعة في نهاية عام 2015 .
اضافة الى روزنفط وكازبروم فان شركة لوك اويل هي المشغل لحقل غرب القرنة2 العملاق وبحصة 75% (من اجورالخدمة قبل استقطاع ضريبة دخل الشركات النفطية) بعد انسحاب شركة ستات اويل النرويجبة مباشرة بعد توقيع العقد المعني. كذلك ان لوك اويل هي المشغل للرقعة الاستكشافية 10 وبحصة 60%. ومن الجدير بالذكر انه تم استكشاف النفط في هذه الرقعة و يعتقد بانها كبيرة وبنوعية جيدة (وتفاصيل النتائج قيد التقييم).
وفي الوقت الذي عززت فيه الشركات النفطية الروسية دورها في وسط وجنوب العراق ،انحسر دور الشركتين الاميركيتين بنحو كبير. فقد انخفضت مساهمة اكسون موبل في حقل غرب القرنة1 الى 32.7% بعد دخول كل من سي ان بي سي الصينية وشركة بيرتامينا الاندونيسية برغم احتفاظها بدور المشغل. ثم تنازلت شركة اوكسيدنتال (اوكسي) الى الحكومة العراقية عن كامل مساهمتها في حقل الزبير البالغة 29.69%.
4- ان مساهمة شركة روزنفط في انبوب تصديرالنفط في الاقليم (بطاقة 700 الف برميل يوميا ومخطط زيادتها الى مليون برميل يوميا) يحتم بالضرورة (من النواحي القانونية والسيادية والعملياتية) التنسيق مع وموافقة كل من الحكومتين العراقية والتركية. وهذا يوفر فرصة تاريخية لروسيا ان تلعب دور «الوسيط النزيه» الوحيد الذي بإمكانه التقريب بين وجهات نظر الاطراف الثلاثة: الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم والحكومة التركية. وقد يتوسع هذا الدور الروسي تدريجيا من أمور تتعلق بأنبوب تصدير النفط الى مسائل اقتصادية وسياسية مهمة ومعقدة.
ومن الجدير بالتذكير هنا بدور روسيا وتعاونها مع منظمة الاوبك وكذلك بدور الشركات النفطية الروسية المحتمل في تطوير الحقول الواقعة غرب ايران وتأثير ذلك على الحقول الحدودية المشتركة مع العراق.
حبل الانقاذ الاخير لحكومة الاقليم
باختصار شديد وكما هو معروف وواضح فان حكومة الاقليم تعاني من ازمة اقتصادية شديدة خانقة تعود في مجملها الى سياسات وممارسات الحكومة ذاتها، باستثناء انهيار اسعارالنفط العالمية منذ منتصف 2014 . فانعدام الشفافية وتفشي الفساد وانخفاض عوائد تصدير النفط بسبب حجم الخصم من سعر البيع المرتبط بالأسلوب الملتوي لعملية شحن الصادرات وتراكم المديونية الخارجية ومستحقات الشركات النفطية التي لم يتم تسديدها تشكل كلها عوامل مؤسسة وفاعلة في تعميق الازمة المالية. يضاف الى ذلك الفشل الواضح في ادارة وحوكمة القطاع النفطي في الاقليم حيث اثبتت نتائج التحكيم الدولي المتعلقة بدعاوى شركتي داناغاز وبيرل مدى قصر النظر في ادارة عقود مجحفة بالأساس.
عندما وقعت حكومة الاقليم وبشكل سري عقود مشاركة في الانتاج مع شركة اكسون موبل اعطت لتلك العقود اهمية «عسكرية» واعلن وزير الموارد الطبيعية عن بداية موسم «الاندماج والاستحواذ» الكبير مشيرا او هادفا الى سيطرة الشركات الكبيرة على الصغيرة. وربما تم ممارسة ما يسمى بأسلوب ازدحام الدفع للخارج (كراود اوت) من قبل الوزارة. وها هي اكسون موبل تتخلى عن ثلاث من الرقع وهناك شك كبير باحتفاظها بالثلاثة الباقية. وكما ذكر اعلاه تنازلت الشركات النفطية عن 19 رقعة برغم انفاق الملايين من الدولارات ولم تتقدم اية شركة للاندماج او الاستحواذ على اي منها.
ان ضخامة الديون ومستحقات الشركات ومبالغ التعويض نتيجة التحكيم الدولي (في حالة اقرارها نهائيا) تعني من الناحية الفعلية ارتهان الاقليم لعدة عقود قادمة. ونظرا لان جميع هذه الاستحقاقات تعود لمصادر/ شركات خاصة وليست حكومية اوسيادية فان احتمالية الاعفاء منها معدومة الى حد كبير. ولكن يمكن جدولتها وبذلك يقع الاقليم في «مصيدة المديونية» التي ستستنزف موارده لعقود طويلة قادمة على حساب حقوق ورفاهية الشعب الكردي.
كتب الاعلامي الكردي شيرزاد شيخاني حديثا «اليوم يرزح الاقليم تحت وطأة ديون تقدر بـ30 مليار دولار، وهناك دعاوى اخرى من شركة داناغاز الاماراتية تطالب بتعويض ما يقرب من 26 مليار دولار ما يعني بان اقتصاد الاقليم لن تقوم له قائمة الا بعد خمسين عاما.» وقال رئيس لجنة الموارد الطبيعية في برلمان كردستان شيركو جودت خلال تصريح صحفي يوم 30 مايس: ان سبب تراكم الديون على اقليم كردستان يعود الى الاخطاء الاستراتيجية في العقود النفطية، اضافة الى انعدام الشفافية وسيادة القانون والتخبط في ادارة ملف النفط والغاز، هذا اضافة الى العقد الذي ابرم بين حكومة اقليم كردستان وتركيا، وكل هذا جعل واردات النفط والغاز غير معلومة، وتسبب في تراكم الديون على اقليم كردستان.
في ضوء ماتقدم هل تكون هذه الاتفاقيات مع روزنفط حبل الانقاذ الوحيد والاخير لحكومة الاقليم ومستقبله الاقتصادي بعد الفشل المزري لكل السياسات السابقة وخاصة النفطية منها؟ وهل ستقوم حكومة الاقليم بمراجعة وتغيير سياساتها الخاطئة والمدمرة ام تستمر بنهج التفرد والانكار وعسكرة الموضوع؟
الحكومة الاتحادية ووزارة النفط – صمت محير ومدان
على الرغم من مرور نحو اسبوعين لتوقيع هذه الاتفاقيات في محفل سنت بيترسبرك الاقتصادي والذي حضره أيضا وزيرالنفط العراقي، وعلى الرغم من مرور اربعة اشهر على توقيع عقد التجهيزات النفطية الا ان الحكومة الاتحادية ووزارتها النفطية التزمتا الصمت المطبق والمحير! فهل الامر لا يعنيهما ام انهما لم يعلما من الامر شيئاً ام الصمت من علامات الرضى ام كل ذلك!!!.
والغريب في الامر ان وزيرالنفط لم يتطرق مطلقا الى هذا الموضوع خلال تراسه لاجتماع هيئة الراي في الوزارة حيث لم يتضمن خبر المكتب الاعلامي للوزارة والصادر هذا اليوم اية اشارة للموضوع!!
المعلومات اعلاه تشير الى ان لتلك الاتفاقيات تأثير كبير وفاعل ليس على اقليم كردستان وحسب بل على العراق ككل أيضا من النواحي الاقتصادية والسيادية والدستورية والسياسية والعلاقات والالتزامات الدولية.
وعليه فان كل من الحكومة الاتحادية ووزارة النفط ملزمة دستوريا بتحديد موقف واضح لا لبس فيه بشأن هذه الاتفاقيات التي تتعارض وبنحو واضح وصارخ مع الدستور. و الامر نفسه ينطبق على البرلمان الاتحادي وجميع الكتل والاحزاب والمواطنين وخاصة المعنيين بالشأن النفطي.
*استشارية التنمية والابحاث (العراق)
النرويج