الثقافة بوصفها سلوكاً

لا يمكن عدّ الثقافة بمعزل عن السلوك حتى لو كانت الثقافة هنا إنتاجًا أدبيًا ينفصل عن سلوك المنتج ذاته، إذا ما اعتبرنا معنى السلوك إنه التصرّف الحياتي الذي يسير عليه المثقّف.. ولأن الأمر منوطٌ بمفهوم الثقافة لدى المتلقّي من إنه انعكاس رأي المنتج المثقّف على ما ينتجه من أفكارٍ ورؤىً ومحمولاتٍ فكريةٍ يراد منها التأشير بشكلٍ إيجابيٍّ لما هو واقعٌ في الحياة. بمعنى إن الإنتاج الثقافي يراد منه إحداث تغييرٍ مهمٍّ في المنظومة المجتمعية لأن الثقافة هي المحمول الأكبر المساهم في تعبئة الرأي الجديد من جهة أو تأصيل ما هو قائمٌ من جهةٍ أخرى بهدف إيجاد سبل جديدةٍ لتقويم الحالة المراد الأخذ بها للصعود معها الى درجات أخرى.. فالسلوك أحد أهمّ مقومات الثقافة بوصفها محمولًا واعيًا من محمولات المتغيّرات الواقعة على المجتمع سواء منها ما هو إيجابيٌّ أم سلبي..وهذا الانعكاس سيكون سلبيًا إذا ما كانت الآراء أو المحولات الفكرية ناتجةً من شخصيةٍ ثقافيةٍ ازدواجية الطرح والعلاقات والسلوك، لن يكون هناك انتظامٌ لروابط النتاج النهائي لما يتم طرحه..وهذا ما يشكّل خطرًا على الثقافة بشكلٍ عام وعلى الإنتاج الثقافي بشكلٍ خاص..ولا يمكن تقبّل رأي مجموعةٍ قليلةٍ بما يعطي شرعية بانفصال الفكر عن السلوك وإن النتاج الفكري والثقافي هو محصلة اجتهاداتٍ عقليةٍ غير خاضعةٍ لسلوك الفرد. فيأتون بأمثلةٍ على وجود شعراء تمرّدوا على السلوك الاجتماعي وكانوا أقرب الى ما اصطلح عليهم الصعاليك رغم إن التسمية فيها تشبيهٌ غير دقيقٍ مع معنى الصعاليك في التاريخ الذين كان تمرّدهم ليس على السلوك بقدر ما كان مرتبطًا بالمساعدة الإجتماعية وهو ما أدى الى شيوع هذه الثقافة، لانهم قدّموا الأنموذج الأقرب الى تعايش وتعاشق السلوك مع المنتج الثقافي المرافق للفعالية المنفذة.. ولكن هذا الرأي الذي يقول بوجود انفصال ويقدّم الانموذج لا يبدو هو الرأي الاغلب الذي يصل فيه الى عدّها ظاهرةً بقدر ما كانت تعد نماذج اجتماعية أخذت تحبّبها لدى الوسط الثقافي أكثر منه في الوسط الاجتماعي أو المتلقّي العام. وأن مناصري ظاهرة انفصال السلوك عن الثقافة كانوا يرون أنفسهم في مثل هذه الشخصيات لعدم قدرتهم على التمرّد.. وهذا البعض وليس كلّ الوسط الثقافي كان بحاجة الى أنموذجٍ له لكي يكون بديلًا عنه فوجد في أنموذج المتمرّد الثقافي على إنه تلك المنطقة الفاصلة بين الإنتاج الثقافي والشخصية الثقافية على اعتبار عن العقل منتجٌ لهذه الفكرة أو تلك، متناسين إن هذه النماذج ناجحةٌ في مجتمعها الضيّق أكثر من نجاحها في مجتمعها العام وهي لا تُذكر إلّا في مناسبتها من قبل الباحثين عن الأنموذج نفسه لأنهم أصبحوا يبحثون عن أنموذجٍ ثانٍ وجديدٍ ليكون البديل الناطق عن تمردّهم المخفي.
إن السلوك الثقافي ليس مرتبطًا فقط في هذه الظاهرة من التمرّد لدى البعض بل يكون واسعًا في صدق المنتج وانتمائه لما يكتبه وهو ما يجعل الثقافة انعكاساً لسلوكٍ واعٍ والعكس صحيح.
علي لفته سعيد

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة