برلين ـ جاسم محمد:
جاءت الانتخابات للجمهورية الفرنسية الخامسة، وسط حالة طوارئ تعيشها فرنسا، واوروبا، وتحديات اليمين المتطرف، فرنسا واوروبا شعرت اليوم بالراحة، بعد ان حبست انفاسها، بفوز إيمانويل ماكرون، امام مارين لوبان، زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية، فوز ماكرون ممكن وصفه حجز الزاوية لتعزيز تماسك دول اوروبا والاتحاد الاوروبي، امام زحف اليمين المتطرف في فرنسا وصلت الى مايقارب 45% من الاصوات، وهذا يعني ان مهمة ماكرون سوف لن تكون سهلة.
اصبح الرقم (64) رقم الحظ الذي سيرافق الرئيس الفرنسي المنتخب إيمانويل ماكرون، بعد أن حقق فوزًا ساحقا بهذه النسبة في الانتخابات الرئاسية ضد منافسته مارين لوبن، الرقم 64 وهو النسبة التي حققها ماكرون بعد إحصاء 40 مليون صوت، هو الرقم نفسه الذي يمثل عمر زوجته بريجيت ماكرون، التي كان وراء الكثير من نجاحاته منذ كان وزيرا للاقتصاد. إعلان فوز ماكرون، رئيسا للجمهورية تعد واحدة من أكثر الانتخابات الفرنسية إثارة. وأظهرت الأرقام الرسمية لوزارة الداخلية الفرنسية انتخاب المرشح المستقل إيمانويل ماكرون المنتمي لتيار الوسط رئيسا بعد حصوله على 64.16 في المئة من الأصوات الصحيحة بعد إحصاء أصوات أكثر من 40 مليون ناخب من 47 مليون ناخب مسجل في البلاد.وإذا كان ماكرون، ممن يتفاءل بالأرقام، فإن توافق نسبة الفوز التي حققها مع سن زوجته( (64 عاماً، سيمثل له رقما سحريا، بعد أن كانت أحد عناوين نجاح حملته الانتخابية.
مرشحون الرئاسة الفرنسية
ـ «فرانسو فيون..» سياسي يميني فرنسي، تولى رئاسة الوزراء خلال حكم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، دخل عام 2016 سباق الانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي لتحديد مرشح هذا التيار للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وفاز بها بنسبة مريحة، استبق كل ذلك بإصداره كتاب «هزيمة الشمولية الإسلامية.
ـ مارين لوبان : سياسية فرنسية لم تكتسب شهرتها فقط من شهرة والدها الزعيم اليميني المتطرف جون ماري لوبان، بل من اختياراتها السياسية المخالفة لنهج أبيها، انضمت لحزب الجبهة الوطنية وعمرها 18 عاما ولم تحل سنة 2011 حتى صارت زعيمة له، وبفضل أدائها تمكن الحزب من تحقيق نتائج انتخابية متميزة، ولدت مارين لوبان عام 1968 بمدينة نويي سوغ سين (Neuilly-sur-Seine)، وهي واحدة من ثلاث بنات لزعيم الحزب اليميني المتطرف جون ماري لوبان.
ـ إيمانويل ماكرون: سياسي ومصرفي فرنسي سابق، تولى مسؤوليات حكومية، أعلن في 2016 ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017، مما أثار حفيظة بعض الأوساط اليسارية، ولد إيمانويل ماكرون 1977،و التحق بمعهد العلوم السياسية بباريس، وتخرج فيه بشهادة وهو في سن 24 عام 2001، ثم درس في المعهد الوطني للإدارة في ستراسبورغ.
ـ مانويل فالس: سياسي فرنسي من أصل إسباني، ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي وشغل منصب عمدة إيفري لمدة عشر سنوات، كما تولى منصب وزير الداخلية منذ 16 مايو 2012 إلى أن عينه الرئيس فرانسوا هولاند رئيسا للوزراء في 2014، إثر هزيمة اليسار في الانتخابات البلدية، ثم أعلن أواخر 2016 ترشحه لرئاسيات ، وُلد مانويل فالس عام 1962 في مدينة برشلونة، والتحق بجامعة باريس وحصل منها على إجازة في التاريخ .
ـ راما ياد : سياسية فرنسية مسلمة الديانة من أصل سنغالي، تولت منصب وزيرة الدولة للشؤون الخارجية وحقوق الإنسان في عهد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وترشحت كأول أفريقية ومسلمة للانتخابات الرئاسية الفرنسية ،ولدت راما ياد التي تشير مصادر إلى أن اسمها الحقيقي هو «رحمة الله ياد» عام 1976 في العاصمة السنغالية دكار، ثم انتقلت عائلتها عام 1987 إلى العيش في فرنسا، لتتحصل راما عام 1997 على الجنسية الفرنسية، وتزوجت عام 2005 من اليهودي جوزيف زيميت الذي كان وقتها مناضلا في الحزب الاشتراكي ورزقا بطفلة.
من هو ماكرون؟
حياة إيمانويل ماكرون شبيهة بألبوم صور متعدد الألوان، بدأها بمسار تعليمي ناجح في أبرز المدارس والمعاهد الفرنسية وهي معهد «هنري 4» بباريس ثم معهد العلوم السياسية بباريس (2001) والمدرسة العليا للإدارة بمدينة ستراسبورغ (2002-2004) إضافة إلى مؤسسات تربوية عريقة أخرى. وخلال شوطه الدراسي، وقع إيمانويل ماكرون قبل أن يتجاوز الـ16 سنة في غرام مدرسة للغة الفرنسية تدعى برجيت ترونيو والتي كانت تكبره سنا بأكثر من عشرين سنة، لكن بما أن العشق لا يبالي بالسن ولا باللون تزوجها بعد بضع سنوات، وما زالت تشاركه حياته إلى اليوم.
وكان الى برجيت ترونيو دورا أساسي بصعود نجم ماكرون سواء كان على الصعيد المهني أو السياسي، فمنحته الثقة الكافية لمواجهة التحديات التي يفرضها عالم السياسة على كل مرشح يريد أن يصل إلى المنصب الأعلى للسلطة، فبعد تخرجه من المدرسة العليا للإدارة في 2004، عمل كمفتش عام للمالية لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقل بعد ذلك ليعمل في لجنة مهمتها إيجاد سياسة مالية تدعم الاقتصاد الفرنسي تحت رئاسة جاك أتالي، مستشار الرئيس الاشتراكي الراحل فرانسوا ميتران. وفي 2008، غادر عالم الإدارة العليا والتحق بمصرف «روتشيلد» ليكتشف أسرار البنوك والمالية. وفي حوار مع جريدة «لوموند»، علق ماكرون عن خبرته البنكية قائلا:» لقد تعلمت مهنة، واكتشفت كيف يسير عالم المال والاقتصاد.
سياسة ماكرون في مكافحة الإرهاب
بات مؤكدا بأن ماكرون سيدافع ماكرون عن صلة بلاده بأوروبا وأنها ستكون في طليعة مواجهة الإرهاب داخل أراضيها وخارجها، وأن بلاده ستكون في الصفوف الأولى لمحاربة الإرهاب من دون كلل أو ملل، وأكد أن ضمان أمن الفرنسيين «أمر لا هوادة فيه.
وأولوية ماكرون في مكافحة الإرهاب في سوريا هي القضاء على تنظيم داعش، ويحمل ماكرون رؤية إيجابية تجاه إدارة الأزمة الليبية، إذ يدعو إلى ضرورة دعم المؤسسات الليبية وخاصة الجيش، لجعله قادرا على مواجهة الإرهاب، كما يربط بين الأزمة في ليبيا وظاهرة الهجرة تجاه أوروبا.
وضمن خطط ماكرون فانه من المقرر ان يعمل على زيادة نفقات الدفاع التي تخصصها فرنسا لحلف شمال الأطلسي «ناتو» لتصل إلى 2% من إجمالي الناتج المحلي لفرنسا بحلول عام 2025، وما يزال حلف الناتو يمثل قاعدة دفاع فرنسية، لكن ، ماكرون يحرص على تحقيق أبعاد أخرى تتعلق بالدفاع عن أوروبا، ليس فقط بسبب بعض الشكوك التي برزت أمام الحلف نتيجة تصريحات أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ماكرون في مواجهة اليمين المتطرف
استعمل ماكرون لهجة شديدة تجاه اليمين المتطرف فوصف اليمين المتطرف «الأعداء الأساسيون وورثة حزب الحقد»، مؤكدا أنه سيدافع عن الفرنسيين ذوي الأصول الأجنبية الفخورين بكونهم فرنسيين، وقال ماكرون في تجمع انتخابي في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا إن «الجبهة الوطنية خصمنا الرئيسي يهاجمنا من كل جانب، لا تنتقدوهم بصيحات الاستهجان، بل تصدوا لهم. وقال يراد منا أن نقصي حزب الكراهية والازدراء وكل من يجعلنا نشعر بالخجل بعيدا عن هذه الحملة وعن البلد كله، ويعد ماكرون النجم السياسي الصاعد في الفضاء الأوروبي، حيث يعزز وصوله معسكر الاندماج الأوروبي ضد التيارات الشعوبية التي صوتت في بريطانيا لفائدة خروج البلاد من الاتحاد، ومنحت في هولندا المرتبة الثانية في الانتخابات العامة إلى حزب زعيم اليمين المتطرف في هولندا غيرت فيلدرس فى عام 2016، ووضعت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان في المرتبة الثانية .
ويتمثل المعطى المقلق بالنسبة إلى الأوروبيين في أن 45% من الناخبين في الدورة الأولى صوتوا لفائدة مناهضي الاتحاد بزعامة مارين لوبان التي حازت على 21.6% و جان لوك ميلونشون 19.6% ومجموعات صغيرة حصلت على أكثر من 5%، وهذا الرقم لا يبعد كثيراً عن نسبة الفرنسيين الذين صوتوا في 2005 ضد المعاهدة الأوروبية.
إلى ذلك، يبدو تفتت في المشهد السياسي الفرنسي وجنوح أكثر من 40% من الناخبين نحو مناهضة المشروع الاندماجي الأوروبي، ضمن الصعوبات التي سيواجهها الرئيس الفرنسي الجديد في تشكيل الأغلبية البرلمانية والتي يحتاجها لإنجاز خطة الإصلاحات الهيكلية التي وعد بها والتي من دونها لا يمكنه انتزاع التنازلات التي يحتاجها على الصعيد الأوروبي في مجالات التشريعات الاقتصادية والاجتماعية والاستثمار، كي يحقق ما سمَّاها «أوروبا التي تحمي» من العواقب السلبية للعولمة.