متى نعيد صياغة مفهوم الحق العام في القانون؟

سلام مكي
كاتب عراقي
وجد القانون، لتنظيم المعاملات، وتأسيس علاقات اجتماعية سليمة، قائمة على محددات وأطر عامة. وفي الدول الديمقراطية، يكون الحكم للقانون، والغلبة له على الأفراد، والأحزاب والطوائف، والزعماء. والقانون لا يستغني عنه الدكتاتور والا الديمقراطي، بمعنى ان اي تصرف لا يتم الا وفق قانون، ولكن ثمة قوانين تصب بمصلحة الدكتاتور ونظامه، وترسخ هيمنته على مقدرات الدولة، والا، فإن مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لآلاف العراقيين، كانت تتم بموجب قوانين وقرارات لها قوة القانون. بعد التغيير، تغير مسار القانون بشكل كبير، اذ استحدثت سلطة مستقلة تماشيا مع النظام الجديد، تتولى تطبيق القانون، وهي السلطة القضائية، ولم يعد هنالك مجلس قيادة الثورة ليصدر قرارات عشوائية وفوضوية، بل هناك مجلس نواب، منتخب من قبل الشعب، يقوم بتشريع القوانين باسم الشعب. وبهذا يمكننا ان نتصور ان القانون تحرر من قيود الدكتاتورية، وعاد حرا، يشبع حاجات الناس، لا حاجات السلطة. ولكن للأسف، ثمة قوانين لا تشبع حاجة احد، سوى انها تكرس الفوضوية، وتشيع الروتين وتعرقل المشاريع الخدمية، وتعطل مصالح الناس، وبعضها تضر بفئة كبيرة كالموظفين. لنأخذ قانون العقوبات مثالا على كلامنا. هذا القانون لا يفرق بين الأموال مهما كانت قيمتها، فمن يسرق اصغر فئة وهي مئتان وخمسة وعشرون دينار، لا يختلف عمن يسرق مئتان وخمسون مليون، وقد يحكم بالسجن على السارق، مهما كانت الدوافع والاسباب. كما حصل مؤخرا مع المتهم الذي تحول فيما بعد الى مجرم، بعد ان حكم عليه بالسجن نتيجة لقيامه بسرقة حليب ومستلزمات لطفله لعدم قدرته على دفع ثمنها. هذا الحكم، خلفا ردود افعال مختلفة، بعضها نال من القضاء. رغم ان الأخير لا خيار له سوى تطبيق القانون بشكل كامل. وحتى لو تنازل المشتكي وصاحب الحق الشخصي، فثمة الحق العام، الذي لا هروب منه. الحق العام هذا لا يفرق بين احد، ويقع تحت مقصلته البريء والمذنب، وهو عقبة كبيرة، امام مئات المحكومين. فكان ينبغي على المشرعين، وقبلهم رجال القانون، ان يعيدوا صياغة مفهوم الحق العام، ومتى يطبق على المدان، ومتى لا يطبق. وهل ان الذي يسرق موادا عينية، لا تتجاوز قيمتها عشرين الف دينار او اكثر بكثير، يشكل خطرا على الأمن العام، مثله مثل الذي يقتل ويسرق اموالا طائلة؟ على المشرعين، ان يذهبوا الى اصحاب الحق العام وهم افراد المجتمع: هل اصابهم الخوف والرعب من سرقة مواد بسيطة؟ هل تسبب هذا بخرق للأمن والسلم العام؟ منظومة القوانين والتشريعات، خصوصا تلك المهمة والتي تكون على تماس مباشر مع حياة المواطنين، وتطبقها المحاكم بشكل يومي، كقانون العقوبات الذي شرع عام 1969 ولازال نافذا لحد الآن، لم يعدل منه الا نصوص قليلة، يجب ان يعاد النظر بالفلسفة العامة له، من حيث مفهوم العقوبة، والجريمة، والحق العام، من حيث جسامة الجرائم وطبيعة العقوبات المقررة لها. لا يمكن ان تتوقف عجلة التشريع في القوانين المهمة. وهذا امر يعود الى السلطة التشريعية كونها صاحبة الاختصاص بالتشريع وسن القوانين. الشارع العراقي، وفي مناسبات كثيرة، اتهم القضاء بأنه يحابي السلطة السياسية، او يحكم وفق معايير غير قانونية، اذ يحكم على السياسي الفاسد الذي ثبت قيامه بسرقة المال العام، كما يحكم على الفقير الذي يسرق حاجيات بسيطة لكي يعيش هو وعائلته. دون الالتفات الى قضية مهمة وهي: القانون. الذي لا يجرؤ اي شخص على تجاوزه خصوصا القاضي، مهما كانت وضعيته وقربه من مقتضيات العدالة، الا في حدود ما هو مقرر له قانونا. بالتالي، فثمة تشكّل لوعي عام، ضد القضاء، يهدف الى زحزحة الثقة به، والوقوف ضد اي حكم سيصدر مستقبلا. مع اطلاق الاتهامات الجاهزة ضد القضاء اولها: انه مسيس. بدلا من ممارسة الدور المقرر دستوريا وهو صناعة السلطة السياسية، عبر انتخاب الشخصيات الأكثر كفاءة ونزاهة وقدرة على ممارسة العمل السياسي، وفق مقاسات وطنية، بعيدا عن الطائفة والمذهب والمنفعة الشخصية. عندها، يمكن للشعب ان يسمع ان القضاء حكم وفقا لتطلعاته القانونية. اما بقاء القوانين على ما هي عليه، يعد مساهمة مباشرة من قبل الشعب بهذا الوضع، فهو المسؤول المباشر عن اختيار السلطة التي تشرع القوانين.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة