في ذكرى التغيير: نستذكر خرابنا الديمقراطي

سلام مكي
كاتب عراقي
بعد كل هذه السنين من عراق بلا صدام، عراق خال من النار والحديد، المقابر الجماعية، الجوع والموت الرسمي، تمر اليوم ذكرى انهيار النظام الذي لم يكن قوياً الا بمواجهة شعبه، نظام كان بوسعه ان يكون الأقوى والأكثر تماسكاً بين الأنظمة، لكنه فضّل ان يكون دموياً، مجرماً، لا يمكنه ان يبقى من دون ان يسكن في قصور تجري من تحتها دماء العراقيين. هذه الذكرى، ليست للمقارنة بين نظام استبدادي، دموي، وبين نظام فوضوي، عبثي لا ملامح واضحة له، ولا صورة لرجل دولة حقيقي، برزت وسط فوضى الصور والألوان التي مرت طوال السنين الأربع عشرة الماضية. وللأسف، ثمة من وصل الى قناعة بأن النظام الحالي، ليس افضل من النظام السابق، وان ما اقترفته احزاب اليوم، لم يجرؤ على اقترافه حزب الأمس، الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة، الا وارتكبها ضد العراقيين. الحزب الذي ساق العراقيين الى الحروب، والكوارث، والمشانق، نجد اليوم من يحن الى أيامه، والسبب ليس الانتماء الروحي له، ولا بقايا البعث ولا صدام، اذ هناك كائنات تحن الى البعث، قبل ان تتولى الأحزاب الحالية السلطة، وتفعل ما فعلت. بل ممارسات وسلوكيات النظام السياسي الحالي، الذي كانت لديه فرصة كبيرة، لأن يرتقي بالبلد الى مصاف الدول المتقدمة، الدول التي تحترم شعبها وتوفر لمواطنيها اسباب الحياة الكريمة. ذكرى التغيير، ليست فرصة لتقييم النظام الحالي، ولا فرصة لبحث محاسنه ومساوئه، ذلك انه كشف عن ملامحه منذ الدورة الأولى، وبيّن للعراقيين، طريقته في ادارة الحكم. بل انه فرصة لأن يقرر العراقيون، ان الأربع عشرة سنة الماضية، ليست جيدة، وليست السنين التي كانوا يحلمون بها، والسبب هو من انتخبوهم، ويصرون على انتخابهم كل اربع سنوات. لقد انتقلنا في هذه السنين من البناء الدكتاتوري الى الخراب الديمقراطي، بناء شيد بأجساد العراقيين، ودمائهم، وحين تهدم ذلك البناء، جرف معه الأحياء والأموات، ليجعل من الوطن، ساحة للموت اليومي، وللخراب. فبدلا من كون الأموات مدفونين بين جدار، انتقلوا الى الساحة العامة، ليموتوا مجددا، ولكن بطريقة ديمقراطية. ومن تبقى من العراقيين، يشتمون، ويتوعدون القتلة، بالثأر لقتلاهم، لكنهم سرعان ما يقررون البقاء تحت ظل اولئك القتلة، خوفاً من المجهول الذي قد يحمل قاتلا، صاحب بلطة اقوى واكبر من بلطة القاتل الأول. ذلك القاتل الذي ما زال يحمل بلطته وسيفه، ليقتص من الشعب الذي لم يدافع عن يد قاتله التي كانت تهوي على عنقه، ولم يقف الى جانب اليد الثانية التي كانت ومازالت تفجره بالمفخخات، وتقتله يومياً، ليعود الى حضن قاتله الأول. ان ذكرى التغيير فرصة، للعودة الى الحياة مجددًا، الحياة التي لم يرها العراقيون يوماً، وانتزاعها من براثن الموت الذي يحيط بالعراقيين من كل جانب، وهي مسؤولية تقع على عاتق العراقيين وحدهم، فهم وحدهم من يملكون اسباب بقائهم على قيد الحياة، الحياة التي تعيشها بقية الشعوب. اما البقاء تحت رحمة الجلاد، فلن توصلنا الا لنتائج اكثر فداحة من هذا الوضع: داعش، الحروب التي قضمت ارواح الكثير من الأبرياء، الفساد الذي تسبب بهدر مئات الملايين من الدولارات، الانسان المحطم الذي يعيش لأجل ان يموت غداً، الأمل الذي يتلاشى كل يوم. الدعوات الى المقارنة بين النظام السابق والنظام الحالي، صدرت وتصدر اليوم من قبل البعض، وهي دعوات مريبة، مستهجنة، لكن اذا ازداد الوضع سوءًا واستمر الموت والخراب، فقد يتحول الأمر الى ممارسات رسمية، تصدر من قبل الحكومة ذاتها. الحاجة الى يد تمتد الى العراق الغريق، ومحاولات قطع تلك اليد، اسباب ستؤدي حتماً الى بروز نظام اكثر فوضوية وقد يتحول فيما بعد الى دكتاتورية اقوى واكبر من دكتاتورية النظام السابق. والشعب وحده من يستطيع ان يمد يدا لا تطولها كل سيوف العالم ولا بنادقهم. لكن: متى تمتد تلك اليد؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة