صلابة المرأة العربية…بعيداً عن الكليشيهات الغربية *

كتاب كريم الجوهري «قوة المرأة العربية»

مارتينا صبرا

في كتابه «قوة المرأة العربية» الصادر بالألمانية يبرز الكاتب والصحفي كريم الجوهري وجه المرأة العربية وصوتها القوي. هنا استعراض للكتاب المتعدد النواحي والتنويري والمسلي والمحرك للعواطف في أوان واحد، إضافة إلى جدارته بالقراءة من دون ريب.

هديل شابة من سوريا في بداية العشرين من عمرها، ولكنها مع ذلك شاهدت وعاشت أكثر بكثير مما عاشه الآخرون في حياتهم. وفي الواقع كانت تريد هذه الشابة، وهي ابنة عائلة مسيحية، الحصول على درجة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة حلب. ولكن في العام 2011 بدأت الثورة السورية؛ وهكذا انضمت هديل إلى صفوف المقاومة السلمية ضد نظام بشار الأسد. وكانت توزع المنشورات وتذهب إلى المظاهرات إضافة إلى تهريبها الأدوية.

أدركت هديل بعد تعرضها للاعتقال عدة مرات ولمعاملة سيئة في السجن أنه يجب عليها الفرار من سوريا من أجل بقائها على قيد الحياة. هربت هذه الطالبة بين ليلة وضحاها عبر لبنان إلى مصر. ولكن ذراع نظام الأسد الطويلة وصلت لها هناك أيضاً: إذ قام بعض من يُعتَقد أنهم شبيحة تابعين لنظام الأسد بكسر باب شقتتها في القاهرة، وضربوها بوحشية وكذلك هددوها بسكب الأحماض الكاوية على وجهها.

ثم هربت إلى دير رهبان مصري. وفي هذا الدير تحاول إعادة تكوين حياتها المدمّرة. وتقول في حديث لها مع الصحافي كريم الجوهري واصفة وضعها إنها «كبرت عشرين عامًا خلال عام واحد». ولكنها مع ذلك لا تريد الاستسلام.

وعي جديد 

تعدّ الشابة السورية الثائرة هديل واحدة من أكثر من عشرين امرأة يتحدَّث معهن الكاتب كريم الجوهري في كتابه «قوة المرأة العربية». وكريم الجوهري الذي يعمل منذ فترة طويلة مراسلًا صحفياً لمنطقة الشرق الأوسط ويتَّخذ من القاهرة مقرًا له، لم يهتم في أثناء عمله اليومي فقط بتغطية الأحداث السياسية في المنطقة؛ إذ يظهر أيضاً اهتمامه بالتغيرات المجتمعية والاجتماعية السريعة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي يمكن رؤيته بشكل خاص وبوضوح في تحوّل الدور وفي الوعي الجديد عند النساء.

التقى كريم الجوهري سواء في مصر أو ليبيا أو البحرين أو السعودية أو فلسطين أو في سوريا كثيراً في أثناء إجراء أبحاثه وحتى قبل عدة أعوام من بدء الثورات العربية بنساء كن يطالبن وبكلّ شجاعة بحضورهن في الحياة العامة وبحقهن الإنساني في المشاركة المتساوية في الحياة السياسية.

منحت الثورات العربية التي بدأت في أواخر العام 2010 في تونس حركة التحرّر هذه دفعة كبيرة. حيث خرجت للمرة الأولى العديد من النساء – شباباً وشيوخاً – إلى الشوارع للتظاهر من أجل الكرامة والعدالة والحرية.

يتمكّن القرّاء بفضل كتاب كريم الجوهري هذا من التعرّف على مناضلات ورائدات جديرات بالإعجاب ينتمين إلى طبقات اجتماعية ومجالات مهنية شتى: إذ نتعرّف في كتابه هذا على أوَّل قاضية في مصر وكذلك أيضاً على امرأة شجاعة تعمل سائقة شاحنة تقودها عبر الصحراء بحمولتها التي تبلغ ثلاثين طناً. ويسلّط الكاتب الضوء على الناشطة والمدوّنة البحرينية زينب الخواجة التي تم سجنها أكثر من مرة ولعدة أشهر بسبب قيمها وقناعاتها وقد أصبحت بالتالي متحدّثة باسم حركة الحقوق المدنية في هذه الدولة الجزيرة الصغيرة الواقعة في الخليج العربي.

وعند صياغته كتابه هذا لم يشكّل الحجاب أي معيار بالنسبة للكاتب كريم الجوهري. صحيح أنَّ معظم النساء المذكورات في هذا الكتاب يرتدين الحجاب، لكن «المهم هو ما لدينا في رؤوسنا وليس ما نضعه على رؤوسنا»، مثلما توضح ذلك باختصار سيدة الأعمال الليبية مجدولين عبيدة.

وعلى الرغم من أنَّ هذا الكتاب يتحدَّث بصورة أساسية عن المرأة القوية، إلاَّ أنَّه لا يحتوي فقط على قصص نجاح. فهو يحكي أيضاً عن النكسات والفشل وكذلك عن تجارب الخسارة المؤلمة. ومثال ذلك القصة التي يذكرها حول والدتين تفقدان أبنائهما في ظروف غامضة.

لقد تم قتل ابن السيدة الأولى عندما هاجم بوحشية جماهير أحد الفريقين الفريق الآخر في ملعب لكرة القدم بعد انتهاء مباراة. وأمّا ابن الأم الثانية فهو يقبع في السجن في زنزانة المحكوم عليهم بالإعدام وينتظر تنفيذ حكم الإعدام في حقّه، وذلك بسبب اتهامه بالقيام في ذلك اليوم وفي ملعب كرة القدم نفسه بقتل مشجّع من مشجّعي الفريق المنافس.

تبدّد الشعور بنشوة الثورة

نشأت بعض قصص النساء الواردة في هذا الكتاب قبل عدة أعوام من بدء الثورات العربية، بينما أجرى الكاتب بعض اللقاءات مباشرة مع بداية الثورات في كلّ من مصر وليبيا. والآن تبدّد إلى حدّ كبير الشعور بنشوة الثورة والتحمّس والتفاؤل – هذا الشعور الذي انتشر أواخر العام 2010 ومطلع العام 2011. وقد أدّى تزايد أهمية الحركات الدينية السياسية وكذلك الثورة المضادة وزيادة العنف ذي الدوافع السياسية إلى انتشار حالة من الشكّ والتشاؤم.

يتناول كريم الجوهري هذه التطوّرات الراهنة ويعالجها من خلال إضافات وتعليقات حيثما تيسّر له ذلك. إذ يصف وبأدق التفاصيل تنامي العنف الجنسي ضدّ المرأة في ميدان التحرير في مصر كما أنَّه يعرض كذلك كيف تدافع النساء عن أنفسهن. ويورد أيضاً قصة الأستاذة الجامعية المصرية التي تم انتخابها في الأشهر الأولى من الثورة عميدة لإحدى الكليات في الجامعة، ولكن تم عزلها بعد ذلك وأصيبت بحالة إحباط بعدما كان لا بدّ لها من الإقرار بأنَّ درب الكفاح من أجل الديمقراطية والمساواة سيكون طويلاً وصعبًا للغاية.

يبيّن هذا الكتاب بأسلوب رائع تحوّل العلاقات بين الجنسين وصورة المرأة في العالم العربي. صحيح أنَّ المرأة في العالم العربي قد واجهت بعض النكسات في المشاركة السياسية، ولكن الكاتب كريم الجوهري يعتبر الادّعاءات التي تفيد بفشل الثورات غير معقولة ويكتب في خاتمة كتابة: «تجري في العالم العربي عملية تحوّل طويلة الأجل سوف تشغلنا أعواماً عديدة ولن تسير في مسار مستقيم».

«أدَّى تكتّم الطغاة طيلة أعوام عديدة على هذا الصراع السياسي بين الإسلامويين والليبراليين إلى اشتعاله الآن بهذه الشدة والعنف. لا يمكن تجنب هذه المواجهة التي تعدّ على قدر كبير من الأهمية المركزية بالنسبة لتطوّر المجتمع. بل على العكس من ذلك لأنَّها جاءت متأخرة من أجل التفاوض على العلاقة بين الدين والدولة في المجتمع ضمن مناخ سياسي أكثر تحرراً – والنتيجة لا تزال مفتوحة».

* عن موقع قنطرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة