جمال جصاني
محنة هذا الوطن القديم مع ذلك الارث الثقيل من موروثات الخنوع والذل المستقرة فيما يعرف اليوم بوسائل الاعلام اليعربي ومؤسساته الاخطبوطية المتنامية ببركة التمويل غير المحدود لحيتان النفط والغاز، اصبحت جزءاً لا يتجزأ من ثوابت «خير أمة». ومن يتصفح شيئاً من صفحات ذلك الارشيف الضخم في مدوناتهم حول ما جرى في العراق الحديث وخاصة بعد ولادة المشروع الوطني العراقي (الجمهورية الاولى- تموز عام 1958) سينبهر لدقة التقاليد المتبعة في التعاطي مع التطورات فيه، حيث تتناوب الاجيال الاعلامية من كتاب وصحفيين ومحللين على تسلم الاجابات الجاهزة ذاتها من اسلافهم الذين ابدعوا في مجال فتل عنق الحقائق والاحداث الى حيث المعلف المعد مسبقاُ لها والمنسجم مع الرغبات الشاذة لسدنة القهر والتخلف والانحطاط. وكل من ما زال يقبض على شيء من العقل والوجدان، يتذكر نوع تعاطي هذه المستنقعات الاعلامية مع محنة العراقيين طيلة اربعة عقود من حكم اوباش الريف وحثالات المدن فيما عرف بـ (جمهورية الخوف) والتي تصدعت قليلاً ابان غزوة الكويت، ثم ما لبثت ان اعادت تنظيم ايقاع ابواقها طبقاً لثوابت الرسالة الخالدة.
محنة العراق ونوع التحديات والمخاطر التي تحيق بحاضر ومستقبل سكانه، يتعامل معها الاعلام اليعربي (الا ما ندر) بشكل أقل ما يمكن وصفه؛ بأنه بعيد عن ادنى اشكال المهنية والمسؤولية، ومن المؤسف ان نقرأ كتابات وتحليلات للوضع الاستثنائي الراهن الذي تعيشه بلاد الرافدين ومن شخصيات مرموقة، وهي تتناول بكل خفة واستهتار حقيقة ما يجري على تضاريسه المنكوبة بتدخلات دول الجوار المعادية لاستقراره وأمنه. ومن الاهمية بمكان الاشارة الى ان هذا الخطاب الاعلامي المعد سلفاً، لا ينفصل عما يطفح محلياً من كتابات عراقية تقتفي أثره على وفق المعادلة المعكوسة لنظرية عودة الفرع للأصل.