سمير خليل
لعل من أهم الوسائل الاعلامية عبر التاريخ هي الصحافة الورقية، بل كانت الصحف ظاهرة حضارية ودليل رقي للمجتمعات، وكانت الدول تتفاخر بما تمتلكه من صحف متنوعة، كما لعبت الصحف الورقية دورا معرفيا وتنويريا في حياة الشعوب، فطالما كانت سيفا بتارا يهدد كيانات الأنظمة الاستبدادية في حين كانت صحف أخرى تفرش الطريق ورودا أمام تلك الانظمة.
وفي بلدنا العراق نفخر أننا رواد للصحافة الورقية التي سبقنا فيها الدول العربية ولامسنا العالمية، وتشير المصادر أن جريدة “جورنال عراق” هي أول جريدة عراقية وعربية صدرت في السنة الأولى من حكم الوالي داود باشا عام 1816م بغداد وقد جاءت بعد قرنين من صدور أول صحيفة أسبوعية عرفتها البشرية وهي “ريلاسيون” في ستراسبورج عام 1605م، وبذلك فهي سبقت أول صحيفة مصرية “الوقائع المصرية” بـ 12 عاما، التي صدرت عام 1828م ، في حين صدرت جريدة الزوراء العراقية والتي تعد فاتحة الصحافة العراقية، وهي أول جريدة تصدر في بغداد على يد مؤسسها الوالي مدحت باشا في 15 حزيران 1869م .
ومنذ ذلك الحين ليومنا هذا عانت صحافتنا الورقية معاناة كبيرة تمثلت بالعوز المالي خاصة بالنسبة للصحف المستقلة، الى مطاردة السلطات لمصادرة رأي الجريدة ومحرريها وتكميم أفواههم حتى وإن تطلب الأمر بالقوة، وضم الصحف تحت رداء ايديولوجية السلطة كما حدث في بلدنا لأكثر من ثلاثة عقود.
بعد العام 2003 انفجرت الصحافة الورقية بشكل كبير بحيث تجاوز عدد المطبوعات ما يقارب الأربعين مطبوعا وأكثر، وكلها تابعة لجهات رسمية وحزبية واهلية، انفتحت الآفاق أمام تلك الصحف بنشر كل ما هو متنوع بين سياسة واقتصاد وفن ورياضة، غطت الحرية على كل هذه المطبوعات، فامتلأت بالصحفيين والمراسلين، بالإضافة لعمل الكثيرين في التقنيات المرافقة للصحافة من طباعة وتصوير فوتوغرافي وتوزيع.
بعد العام 2014 عندما تلوثت الأجواء بظلامية عصابات داعش الارهابية، اختلت الموازين المالية مع مواجهة هذا التنظيم المجرم فتأثرت جوانب الحياة ومنها الصحافة الورقية وقنوات ومحطات فضائية كانت تتلقى دعما منتظما قبل هذه الحوادث مما اضطرها لإغلاق أبوابها ليصبح عدد كبير من الصحفيين بدون عمل.
رغم ذلك ظلت بعض الصحف المستقلة والتي تعد على أصابع اليد تناضل من أجل استمرارها واستمرار التواصل مع قرائها الذين يجدون متعة في ملامسة ورق الصحيفة وقراءتها، هذه الصحف اليوم تصارع من أجل البقاء وهي بحاجة للدعم الحكومي أولا كي تواصل مسيرتها الإعلامية المضيئة، ولكي لا يفرغ البلد من الصحف الورقية مثلما فرغ من دور السينما.
الصحافة الورقية في العراق
التعليقات مغلقة