انتخابات مال هل وكت

من دون أية منافسة تذكر تمت مبايعة “النقيب الضرورة” لولاية أخرى على رأس نقابة الصحفيين العراقيين، ومن يعرف شيئاً عن شؤون وأحوال هذه النقابة قبل “التغيير” وبعده، لن يعجز عن حل طلاسم مثل هذه المعطيات، التي لا تنفرد بها هذه النقابة عن بقية “النقابات” والتنظيمات المهنية الأخرى، إذ تلتقي جميعها في تقاسم إرث وتقاليد ورسالة واحدة. وهي بشكل عام تتناغم وما يحصل في البلد من ممارسات أهدتنا إياها حقبة “الفتح الديمقراطي المبين”، وهذا ما يفسّر الحظوة الكبيرة لهذا النقيب بين غالبية الكتل المتنفذة في العملية السياسية الحالية، حيث تعده هذه الكتل بمثابة صمام أمان “صاحبة الجلالة” لا في العراق وحسب بل في هذه المضارب الممتدة “من بغداد لتطوان”. ما يجري على تضاريس هذا الوطن المنكوب، في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخه الحديث؛ من تحولات وخيارات واصطفافات وهموم واهتمامات ونوع زعامات وتشكيلات وعصابات ومافيات وأشكال من التدين والاعتقاد والدقلات الإيمانية، وغير ذلك الكثير من تجليات المشهد الغرائبي الحالي، سيضع لهذه “المرحلة الانتقالية” مكانة خاصة بين بقية المحطات التي مررنا بها منذ ولادة العراق الجديد العام 1921 الى يومنا هذا. صحيح إنني أكتب بألم وغضب عما انحدرنا اليه (جماعات وتنظيمات ومؤسسات دولة وأفراد)، لكن كل ذلك لا ينفي حقيقة؛ أن هذه النتائج والمعطيات وبنحو خاص في مجال استعمالنا لأرقى شكل وجده البشر لفك الاشتباكات الأساسية بينهم (الانتخابات) يعكس واقع إمكاناتنا ويرسم ملامحنا الفعلية بلا رتوش، وهي بذلك تقدم للأجيال المقبلة ما تحتاجه من وعي في التشخيص واستنباط الحلول البراغماتية البعيدة عما تتيحه المعالف المتخصصة بترميم ذائقة القطيع.
ونحن على أبواب الدورة الرابعة لانتخاب مجلس نوّاب جديد، تشير جميع المعطيات عن فقداننا القدرة على إجراء أي تغيير جدي في الخارطة السياسية للطبقة التي تلقفت زمام أمور ما بعد “التغيير” وما شعارات الإصلاح وما رافقها من مزاودات ثوروية إلا وغف سرعان ما تلاشى أمام صخرة الواقع الفاقد لأية بدائل حضارية وواقعية. الحقيقة التي لا يطيقها الكثيرون؛ إننا لا نمتلك لا الوعي ولا الاستعداد للتغيير، لا في واقع حال ما يسمى بـ “النقابات” ولا بـ “الأحزاب” ولا بقية أشكال النشاط الاجتماعي والمهني والقيمي والسياسي، هناك ما يمكن أن نطلق عليه بـ (التواطؤ) أو التخادم بين ممثلي هذه الطبقة السياسية والمهنية وذيولها النخبوية، وقطاعات واسعة من “جمهور” أدمن على انتظار ما يرمى اليه من بقايا الوليمة الأزلية، وهذا ما يمكن قراءته في كل ما تتمخض عنه استعمالاتنا المختلفة والمتعددة لتقنية (الصناديق). لا يتناطح كبشان على الدور الذي لعبته الآليات الديمقراطية وعلى رأسها الانتخابات في استقرار الأمم وازدهارها، لكن لهذا النظام (الديمقراطي) شروط ومتطلبات (اجتماعية واقتصادية وقيمية وسياسية..) من دونها يفشل تماماً في تحقيق ما وجد من أجله، ومن مساوئ الأقدار أن تستلم مقاليد ما يعرف بـ (مرحلة العدالة الانتقالية) هذه الخلطة العجيبة من قوارض المنعطفات التاريخية من شتى الرطانات والهلوسات والأزياء، خلطة من “الزعامات” والحشود والخطابات تقبع في قعر اهتماماتها، وعي مثل هذه الشروط والمتطلبات والتمهيد لانتشال ما ورثوه من حطام البشر والحجر، الذي خلفته أبشع تجربة توليتارية تخصصت بمسخ البشر، وقد اختصرت العبارة المشهورة لأحد طناطلة “هل وكت” سمة هذه المرحلة الانتقالية عندما قال: (نحن مع آليات الديمقراطية لا مع فلسفتها)..!
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة