أصدرت دار « رياض الريس للكتب والنشر» في العاصمة اللبنانية بيروت، حديثًا، طبعة جديدة من كتاب « رياح السموم: السعودية ودول الجزيرة بعد حرب الخليج 1991ـــ 1994 للكاتب والصحفي السوري الراحل رياض نجيب الريس وهي الخامسة بعد أربع طبعاتٍ سابقة.
الكتاب الصادر بطبعته الأولى عام 1994، هو الأول في سلسلة ضمت أربعة كتبٍ أخرى، هي: « رياح الشمال: السعودية والخليج والعرب في عالم التسعينيات» و « رياح الجنوب: اليمن ودوره في الجزيرة العربية 1990 ــ 1997. و « رياح الشرق: الخليج والعالم العربي عند نهاية القرن العشرين» بالإضافة إلى كتاب « رياح الخليج: بدايات مجلس التعاون الخليجي والصراع العربي الايراني 1980 ــ 1990.
تحيط هذه السلسلة بالتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على العالم العربي عمومًا، ودول الخليج خصوصًا، خلال تسعينيات القرن الفائت، بوصفها مرحلة زمنية حرجة في تاريخ المنطقة، ومسرحًا لحروبٍ عديدة أعادت بناء ملامحها، ولعل أبرزها الغزو العراقي للكويت وعملية عاصفة الصحراء وحرب الانفصال اليمنية وغيرها.
ويتناول رياض الريس هذه الأحداث، بأسلوبٍ يقوم على تحليل البيئتين السياسية والاجتماعية للمجتمعات التي خَبِرَتها، في محاولةٍ منه للوقوف عند أسبابها وخلفياتها ومن ثم تقديم تفسيراتٍ وافيةٍ لهما، معتمدًا في مساعيه هذه على رصانة الباحث من جهة، ومهارة الصحفي في كشف الجوانب المغيَّبة وتقديم معلوماتٍ جديدة تضيء على وقائع موثوقة غير معروفة من جهةٍ أخرى.
وعبر هذا الأسلوب، ومن خلال أدواتٍ تحليلية وبحثية مختلفة، ولقاءاتٍ مع عدة شخصياتٍ فاعلة، صاغ الريس مضمون كتابه «رياح السموم»، واضعًا بين يدي القارئ سيرة سياسية وافية، تحيط بمختلف الأحداث التي شهدها العالم العربي في النصف الأول من تسعينيات القرن الفائت، حيث دارت رحى حروبٍ غير متوقعة، أعادت تشكيل المشهد السياسي العربي، وبناء خارطة تحالفاتٍ إقليمية وعالمية جديدة لا تزال آثارها قائمة حتى هذه اللحظة.
يقع الكتاب في 496 صفحة، ويشتمل على مجموعة أفكارٍ وأطروحاتٍ ومساجلاتٍ جديدة على مستوى الاشتباك معت تلك المرحلة ومساءلة تحولاتها، وزَّعها الكاتب والصحافي الراحل على 8 أبوابٍ ضمت 28 فصلًا، تناول في الباب الأول ما وصفه بـ «الحروب الجديدة المقنعة»، وافتتحه بالإشارة إلى أننا: «نعيش اليوم حقبة انهارت فيها كل القيم. وهي حقبة قد تطول، لأننا أصبحنا أمة بلا قيادة ومن دون فكر أصيل». وأضاف: «نحن القبيلة الضائعة في التاريخ».
ويتساءل الريس في مطلع كتابه: «هل بدأت القبيلة تعود لتكوِّن مقومات النظام العالمي الجديد؟». انطلاقًا من هذا السؤال، يمضي المؤلف في تحليل ومناقشة عددٍ من القضايا المرتبطة بالدور الأمريكي العالمي بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، ونهاية الحرب الباردة، ورواج المقولات التي بشرت بنظامٍ عالميٍ جديد، وذلك في إطار حديثه عن عودة القبلية إلى خريطة العالم السياسية.
ويضيء صاحب « صراع الواحات والنفط» في بقية فصول الكتاب على واقع الدول الخليجية وأحوالها منذ كامب ديفيد وقمة بغداد مرورا بالحرب العراقية الايرانية، وحتى الغزو العراقي للكويت، وحرب عاصفة الصحراء قبل أن ينتقل إلى البحث في تاريخ مجلس تعاون دول الخليج العربية ، وموقعه في سياق الأحداث السابقة ودوره فيها، إلى جانب تقديمه قراءة نقدية لمغامرات الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، والإضاءة على انعكاساتها على المنطقة.
وتحت عنوان «هاجس الهيمنة»، يبحث رياض نجيب الريس في علاقة الدول الخليجية بالمملكة العربية السعودية، انطلاقًا من رؤيته بأنها علاقة يحكمها الخوف: «من أن يسقط النظام السعودي، والخوف من أن يبقى النظام السعودي كما هو، دون أن يكون عنده القدرة على عبور خط التطور الحضاري».
وينتقل مؤلف « قضايا خاسرة» بعد ذلك، إلى تناول مسألة الوجود الأمريكي في السعودية، وطبيعة نظام الحكم فيها، واتفاق الملك فهد مع المعارضة الشيعية عام 1993، بالإضافة إلى دراسة علاقة المملكة بدول الجوار، ودور الحج والنفط في سياق هذه العلاقة، وسنوات التوتر بين الرياض وعمّان بعد الغزو العراقي للكويت وعملية عاصفة الصحراء، والعلاقة بين الملك فهد ونظيره الأردني الحسين بن طلال.
في هذا السياق، خصَّص المؤلف مساحة من كتابة تحدث فيها عن ثلاثة مسائل مرتبطة بالكويت، وهي: علاقتها بالدول العربية عمومًا والدول الخليجية خصوصًا بعد الاجتياح العراقي، وعلاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية بعد عاصفة الصحراء، ونظام الحكم فيها وتاريخ تطوره. كما ويفرد أيضًا، حيزًا للحرب الأهلية بين شمال اليمن وجنوبه منتصف 1994، مضيئًا في الوقت ذاته على الدور الخليجي، دور السعودية والكويت تحديدًا، في تلك الحرب الدموية.
*عن ألترا صوت