يوسف عبود جويعد
قد تشكل سرديات الغربة، في مجال صناعة الرواية، واحدة من التيارات التي بدأت تتجلى ملامحها وتظهر وبشكل لافت للنظر، وقد شهدت الساحة الادبية في العراق ظهور هذا التيار، وسبب ذلك يعود الى نزوح الكثير من الادباء الى خارج البلاد، ونقل واقع حياتهم ومعاناتهم في بلد الغربة والتوق للعودة، الى حيث تربة الوطن العزيز عليهم، وقد زرعت تلك الكتابات غابة كبيرة وكثيفة وشائكة من الحكايات التي قمت بتقديم دراسات نقدية عنها، وأقصد هنا النصوص السردية الروائية، وهي كثيرة ولا يمكن حصرها في هذه الدراسة، وظهرت في هذه الغابة الكثير من العجائب والغرائب، التي تثير الاهتمام، وتشير الى ضرورة احتواء هذا الكم الكبير من الادباء الذي يصل الى أكثر من خمسة آلاف أديب بين روائي وقاص وشاعر وناقد ومفكر وفيلسوف، ومن بين تلك الكتابات وقعت بين يديّ رواية جديد وسمت بـ (طيف عائلة) للروائية زهراء طالب حسن، وهو تناول آخر وجديد وصريح وجريء ولافت للاهتمام عما تسببه الحياة خارج البلاد من تداعيات واحداث وتفكك أسري يصل الى حد حالة الانذهال والدهشة، لنعرف من خلاله أن الروابط الاسرية المتينة والمحافظة على القيم والمبادئ الانسانية النبيلة، تكمن في البيئة السليمة، التي تكون في احضان الوطن وبين الاهل والاقرباء والاصدقاء والحياة السليمة القويمة، فقد هاجرت عائلة سامي الى خارج البلد، الى كندا بعد أن وجدت أن الحياة داخل البلد الذي يحترق بين نيران الحروب والقتل والسلب، والانفجارات التي دمرت الكثير من المباني، وراحت فيها ضحايا أبرياء من النساء والشيوخ والاطفال والشباب، وسبب هذا اللجوء هو البحث عن ملاذ آمن، لكن الأسرة تكتشف أن الحياة في كندا مختلفة جداً، وفيها من الحرية الغريبة التي لا تحدها حدود، ولا يحول بينها وبين الدمار والهلاك النفسي أي حائل، وسرعان ما نكتشف أن الأب يأتي بإحدى العاهرات الى بيته ويمارس معها الفجور، وتكتشف الزوجة ذلك، فيدب بينهما شجار حاد يصل الى حد طرد الأب من البيت، ثم نجد الابن آدم الذي غرر به من أحد الشبان الذين يعشقون مضاجعة الغلمان، ويعطيه شكولاتة فيها مادة مخدرة، أحب تناولها في كل مرة، حتى أصيب آدم بالشذوذ، ولم يعد يشعر بوجود المرأة في حياته والأمر الادهى والامر، أنه بعد أن كبر فأجأ العائلة بأنه سيتزوج رجلاً مثله وفي كندا يسمح بزواج الجنس الواحد فتزوج آدم من رجل وعاش خارج البيت، بينما تركت سارة أسرتها وغادرت منزل العائلة لتعمل في مكان آخر، أما حسان وهو الابن الثاني لهذه الأسرة فقد كان متطرفاً يميل الى استخدام العنف فيما يخص الدين الاسلامي، فلجأ ومن خلال صديقه خالد الى منظمة إرهابية تمارس العنف والانفجارات والقتل بالأحزمة الناسفة بحجة نشر الرسالة الاسلامية وترك المنزل، وغادر الى افغانستان ومن هناك الى باكستان
(كانت الهجرة إلى بلاد غريبة بعيدة كفيلة بتغيير عادات وتصرفات كثيرة فينا، حدث ذلك بالتدريج فعلى مر الأعوام تغيرت ملابسنا، لم يعد بالإمكان ارتداء تلك الملابس الفضفاضة الطويلة الواسعة، كان ذلك ضرورياً للاندماج ولو بعض الشيء في المجتمع الذي بدا على استعداد لتقبل الآخر إن قابلناه بشيء من التكيف، غدا اسمي سامي بدلاً عن أمل، ففي هذه البلاد تنادى المرأة باسم زوجها وكأن الزواج صندوق يحتفظ باسم المرأة فيه!) ص 10
وهكذا نلاحظ مدى قسوة التفكك الاسري الذي حدث لهذه العائلة، وأنه أمر مروع ومخيف، وهي حالة تحدث في زمن الغربة، كون الحياة هناك تساهم في عملية التفكك والخروج عن القيم والتقاليد النظيفة، التي يحسن الانسان فيها لحياته ويجعلها اكثر اهتماماً، وهكذا نجد الابن الشاذ آدم الذي عقد قرانه على رجل، وحسان الذي التحق بمنظمة ارهابية مدمرة، وسارة التي عملت خارج الاسرة وخارج المدينة، والاب الذي عاش مشرداً ويعاقر الخمر، لكن الأم ورغم كل هذا وبمحاولة منها الى لم هذا الشتات خصصت يوماً معيناً تجتمع فيها الاسرة في المنزل، ويلتحق الجميع في هذا اليوم الى المنزل عدا حسان الذي غابت اخباره، وهذا التجمع عزز القليل من لم شمل الاسرة، فقد ندم الاب على فعلته، وسامحته زوجته، واقترح الجميع القيام بسفرة للتنزه والتنفيس، ومن بين الاقتراحات أن يعودوا الى بغداد في سفرة سريعة ويعودوا ادراجهم الى كندا، وهنا في بغداد وفي بيت العمة سميرة، تحدث علاقة حب بين وائل وسارة، وتنطلق سارة مندهشة وهي تدور مع وائل في مناطق بغداد الاثرية، شارع الرشيد، شارع المتنبي، نهر دجلة وغيرها، وبما أن زواج ابنة العمة بعد ثلاثة ايام يقترح الجميع أن يكون عقد قران سارة ووائل في الموعد نفسه، ويحجزون قاعة في شارع السعدون لحفلة الزفاف، وتنقلنا الروائية الى حياة حسان الذي صار يمارس النشاط الدموي، وينتقل من دولة الى أخرى، وتكون مهمته داخل العراق، وفي بغداد، وتحدث المفاجأة الملتهبة التي تشكل ذروة الاحداث في حس تصاعدي مدروس من قبل الروائية، حيث يختار حسان أن يفجر نفسه في شارع السعدون في اليوم الذي تم فيه حفل الزفاف، ومن خلال نافذة المركبة ترى سارة أخاها وسط زحام الناس وهو يحاول أن يضغط على زر الانفجار، فتترك المركبة مهرولة نحوه فينتبه الاب والام وآدم ويرون حسان فيهرعون نحوه، تمسكه سارة محاولة تهدئته بينما تقترب الأم لا قناعه بالعدول، ويعانقه الأب وهو يبكي، نادماً على ما فعله بأسرته، ويظل حسان ممسكاً بزر الانفجار حتى تأتي الشرطة وتفك الحزام، ومن البناية المواجهة يظهر قناص من هذا التنظيم ويطلق رصاصة على جبين حسان فيرديه قتيلاً:
(كانت رصاصة انطلقت بدقة من بندقية كاتمة للصوت، توجهت بخفة واستقرت في جبين حسان الذي هوى أرضاً بعدما عجز والده عن اسناده.) ص 160
وهكذا تبقى نهاية هذا النص الروائي مفتوحة لتوقعات كثيرة سيتأملها القارئ، بسؤاله ماذا يحدث بعد ذلك؟ بينما وفقت الروائية بتقديم جزء يسير من حياة ابنائنا في تيار الغربة.