د.محمد فلحي
كشف رئيس مركز (كيوبيد) للأمراض الانتقالية في ولاية ميتسوبيشي الأميركية البروفسور (وان تو) عن وجود علاقة ارتباطية بين انتشار فايروس كورونا وتدخين النارجيلة وارتداء سراويل البرمودا القصيرة الممزقة، وأوضح أن النارجيلة تجعل من الرئتين تربة خصبة للفايروسات والجراثيم ومن بينها بالطبع كورونا،في حين تجذب السراويل القصيرة التي يرتديها الشباب عادة إناث الفايروسات وتدفعها الى غزو أجسادهم شبه العارية!
أرجو إعادة قراءة الخبر بتأن،وسوف تجد أنه مثل مئات الأخبار الملفقة المنتشرة هذه الأيام،وفي كل الأزمات،تهدف إلى الإثارة ولفت الأنظار و(الطشة)..فلا يوجد مركز طبي يحمل اسم(كيوبيد) ولا توجد ولاية أميركية تسمى(ميتسوبيشي) بل هي شركة يابانية، ولا يوجد بروفسور يدعى(وان تو) بل هما الرقمان واحد وإثنان باللغة الانجليزية،وليس في الفايروسات ذكور وإناث،ومن ثم فإن التصريح لا أساس له من الصحة والبيئة، وحتى لا تعرفه خلية الأزمة!
اللعبة كلها عبارة عن عملية استدراج للحديث عن موضوع(البرمودا) بعد أن شاهدت،قبل أيام، فيديو منتشر كالوباء في الفيس، يتضمن قيام أحد ضباط الشرطة،في محافظة عراقية،بتوبيخ شاب يرتدي سروال(برمودا) وقد تبارى المدونون في الهجوم والدفاع، وانقسموا بين مؤيد ومعارض،ولكل منهم من وراء تعليقه ما سعى وتحدث بالحسنى!
وجدت كثيراً من المدونين والمدونات يدافعون عن الشاب البرمودي بحجة(الحرية الشخصية)وينتقدون الضابط لأنه تدخل في ما لايعنيه وقد وجد ما لايرضيه،وقد نسوا أن مفهوم الحرية يقوم على مبدأ(أن حريتك تنتهي عند حدود حريتي) فيمكنك التمتع بحريتك ولكن عليك في الوقت نفسه أن لا تنتهك حريات الآخرين،وقد أكد الدستور العراقي في المادة (17) “اولا_لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية ،بما لا يتنافى مع حقوق الاخرين ،والآداب العامة” ..و مصطلح(الآداب العامة) مفهوم اجتماعي عام، وقد وصفته المادة(501) من قانون العقوبات العراقي بهذا النص:( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على عشرة ايام أو بغرامة من اغتسل في المدن أو القرى أو القصبات بصورة منافية للحياء أو ظهر في محل عام بحالة عري منافية للآداب) عدا ذلك لا يوجد قانون ينظم حرية الملبس في العراق،حيث يدخل موضوع المظهر الشخصي واللباس والهندام والزي في إطار الذوق والتقاليد والأعراف والعادات الاجتماعية،ولكل مواطن- سواء كان رجلاً أم إمرأة- حسب قوميته وديانته ومنطقته وبيئته ووظيفته ارتداء الزي المناسب الذي يعبر عن شخصيته ومكانته في المجتمع، وما الصورة التي يريدها لنفسه في نظر الآخرين!
لم يكن (البرمودا) من بين الأزياء التي يرتديها العراقيون،حتى وقت قريب، ولكن في ظل الحرية الواسعة وغزو(الموظة) الغربية دخلت الكثير من المظاهر والعادات الجديدة في حياة الشباب،بدون حواجز، في عصر العولمة،ولم يعد سراً القول أن الفراغ والبطالة والتفكك الأسري قد مهدت لعادات غريبة مستهجنة لا جذور لها ولا قبول في المجتمع العراقي، ومن بينها الأزياء غير اللائقة والألفاظ غير المحتشمة التي أصبحت منتشرة ليس في الشارع فحسب بل في الفن الغنائي والمسرحي والتلفزيوني!
في ظل الفوضى الذوقية أصبح من الملفت في الأماكن العامة والأسواق وبعض الدوائر ارتداء قلة من الشباب لأزياء غير مناسبة من حيث المقياس واللون والشكل،ولا شك أن مظهر الإنسان يعكس شخصيته وثقافته وتربيته، وما دام الموضوع خارج تغطية القانون،في الوقت الحاضر،يتوجب النظر فيه من خلال الأعراف والعادات الاجتماعية فقط،وقد سألت ذات مرة أحد طلبتي الذي كان يرتدي(برمودا مشكك) ويعتبره جزء من حريته الشخصية:هل تستطيع يا ولدي أن تذهب لخطبة فتاة ومقابلة والدها بهذا الزي؟!..فضحك.. وقال:لا طبعاً!
قلت:طيب هل ترضى أن تسير أختك أو أمك المحجبة في السوق وهي تطالع أفخاذ وسيقان وأجساد الشباب المكشوفة كالسروال الذي ترتديه!؟
احتقن وجه الشاب وتصاعدت عنده مشاعر الغيرة فجأة،وراح يعتذر ويلعن البرمودا والمودا..!!
إذا كنت تعتقد أن النارجيلة مفيدة للصحة، وإن البرمودا تمنحك الشعور بالحرية والسعادة،فلا تهتم لهذه المقالة، وخذر راحتك،فلا يوجد قانون يمنعك،وهناك دول عظمى تدفعك..يعني توكل على الله والهوا بظهرك!