نصير الشيخ
(تبقى اختلافات حيوية باعثة على النشاط بدلا من تماسك مصطنع باعث على البلادة منبع جاذبية أي حضارة)
هذا منطوق افتتاحي لكتاب صدر عن سلسلة عالم المعرفة بعنوان (الحضارات في السياسة العالمية-وجهات نظر جمعية وتعددية) /تحرير-بيترجي كاتزنشتاين/ ترجمة-فاضل جتكر.
احتوى الكتاب المؤلف من{376} صفحة من القطع المتوسط على مدخل وثمان فصول، وهو بحسب محرره نتاج طاولة مستديرة وندوة نقاش عقدتا على التوالي في اجتماعي 2007و2008 الحوليين لرابطة العلوم السياسية الأمريكية، منطلقا من مذكرة قد أعدها للمشاركة الانتقال من مرحلة الكلام عن نقاط معينة الى مرحلة كتابة مقالات مطورة، وعلى الأثر بادرت الى تجنيد مؤلفين إضافيين لتوسيع القاعدة التجريبية لمنظور الكتاب التحليلي.
فصول الكتاب هذا تحلل أمريكا، أوربا، الصين، اليابان الهند، الإسلام، وتوفر تأييدا قويا لهذه النظرة الجمعية والتعددية الى الحضارات، وعلى الرغم من ان المؤلفين يظهرون أوجه تباينهم حول عدد من المسائل النظرية، فأن تحليلاتهم تشير على نحو كاسح إلى التعددية الداخلية للحضارات والى تعايش جمع من الحضارات.
كثيرا ما ترد كلمة(الحضارة)بصيغة المفرد في النقاشات العامة على النقيض من إصراره ذا الكتاب على الحديث عن حضارات تعدد دية وجمعية، ففي امريكا وأوربا مثلا كثيرا ما تتم الإشارة الى الحضارات بوصفها رؤية شاملة للغرب كله، صيغة قابلية كمال كونية جوهرية مستوعبة لجميع أجزاء العالم مستندة الى نمو العقل الغربي، وهذه النظرة الى الحضارة بصيغة المفرد ليست حكرا على الغرب، فهي تميز ايضا الخطاب العام لعدد كبير من أجزاء العالم غير الغربية، ففي اليابان أولا والصين الآن وربما الهند قريبا باتت الأصوات المعلنة لبزوغ فجر تفوق أسيا الحضاري في الشؤون العالمية اعلى، ومثله مثل الاستشراق يعاني الاستغراب من إلباس((الشرق))و((الغرب))ثوب المفرد.
يرى جيمس كورت أنه(خلال جزء كبير من القرن العشرين، ادعت الولايات المتحدة الأمريكية قيادة الحضارة الغربية والدفاع عنها ولاحقا في أوقات أقرب راحت تزعم انها زعيمة العولمة، او حضارة كوكبية جديدة، والمدافعة عنها..هذا المبحث الثاني للكتاب والذي ناقش أيضا جملة التصورات الأمريكية لهاتين الحضارتين المتعاقبتين ولدور الولايات المتحدة فيها، وعند القيام بهذه المهمة ستتم معاينة أنواع مختلفة من الحضارات لاسيما ما أطلق عليه شموئيل آيزنشتادت وآخرون اسم حضارات((عصر محوري))من جهة حضارات((حديثة))من الجهة المقابلة..سيكون التركيز الأستتثنائي على:
1 – التطور والتحول المتعاقبين لجملة الحضارات الكلاسيكية والمسيحية والغربية والكوكبية المعاصرة.
2 – صعود الولايات المتحدة الى عرش دور الدولة القيادية لحضارتي العصر الحديث والحضارة الغربية أولا والحضارة الكوكبية الآن.
وجاء المبحث الثالث بقلم الكاتب (ايمانويل آدلر) ما وصفه ب (فكرة الحضارات وأفسرها بوصفها أسر ممارسة، واطرح فرضية ان من شأن اوروبا حين يكون الأمر متعلقا بحل مشكلات دولية، ان تكون واقعيا داخلة في مرحلة ما بعد الحداثة، مرحلة منتمية الى حقبة ما بعد الحداثة.
ويتساءل (ديفد سي كانغ) في مبحث الفصل الرابع عن (ما كان دور الحضارة في أسيا الشرقية الحديثة؟ بوصفها مهيمنة كان للصين ولفلسفتها الأم: الكونفوشيوسية-تأثير قوي في السياستين الداخلية والدولية لبقية أسيا الشرقية، كانت الصين محطة إجبارية، وبقيت أكثرية الدول والمجتمعات ملزمة بالتعامل مع الصين بطريقتها الخاصة.
(مبادرة الساموراي الى نجدة هنتغتون-اليابان عاكفة على تأمل دورها) هو مبحث الفصل الخامس من الكتاب، والذي اختص بقراءة التجربة اليابانية بوصفها دولة/أمة غير غربية كانت قد اكتسبت صفة الحداثة بسرعة، ولكنها حافظت على ثقافتها التقليدية وهي تفعل ذلك، فالحفاظ على الهويات الثقافية الخاصة حتى في زحمة عملية العولمة هو من الأهداف المقيمة الدائمة للبلدان الأقل نموا وتطورا.
وجاء المبحث السادس تحت عنوان (أربعة تنويعات على أوتار الحضارة الهندية) بقلم {سوزان هويبررودلفْ} وهو قراءة فاحصة للدور الذي مارسه الخطاب الحضاري في فهم الهند.
(الإسلام في آفرو – اوراسيا/حضارة جسرية) هو عنوان المبحث السابع بقلم (بروس لي لورنس) اذ يقول (تقوم الحضارة الإسلامية باستحضار شبكة جغرافية-ثقافية أوسع من ان يمكن تحديده بمجرد الولاء للإسلام دينا وطقوسا وشريعة مبكرا وكثيرا ما أصبح الدين مربوطا بالثقافة بوصفه صانعا حاسما للحضارة.
ويرى (باتريك تاديوس جاكسون) والذي كانت ورقته المبحث الثامن والأخير من الكتاب، والذي شكل خلاصة للأوراق والمباحث المطروحة في هذه الحلقة النقاشية، مكتفيا بالقول (سوف انفق بعض الوقت في تنظيم وتشكيل جملة الخيارات المختلفة المتاحة في هذه المناقشة البحثية – الأكاديمية،لعل الشيء الوحيد الذي يجمع مختلف الفصول- عدا توافقها الغامض على أطروحة ان الحضارات وديناميكياتها ذات أهمية في دراسة السياسة العالمية المعاصر هو اختلافها حول الأشياء نفسها تقريبا.