يوسف عبود جويعد
ثمان قصص ضمتها المجموعة القصصية (كتاب الحياة وقصص اخرى) للقاص عبد الامير المجر، وفي إشارته ضمن ينية العنونة بقصص أخرى، ولم يشير الى أنها قصص قصيرة، تأكيد بعدم تحديدها، في إطار نمط من الأنماط القصصية، أي الطويلة والقصيرة والقصيرة جداً، وهي التفاتة جيدة، كوننا سنجد أن سـت منها تنتمي الى القصيرة، بينما القصتين الاخيرتين فإنهما ينتميان الى القصة الطويلة، والتي ندر تناولها في الوقت الحاضر، لأسباب كثيرة، منها عدم التفريق بينهما وبين بقية الأنماط الأخرى، وحتى عدم التفريق بينها وبين الرواية القصيرة, وفي أحيان كثيرة يجيد القاص نمط واحد من الانماط القصصية، أما القصيرة، اوالقصيرة جداً، ويترك هذا الجنس المهم، والذي كان من الانماط المهمة التي تدخل دائرة تنافس الادب الابداعي.
وهاتان القصتان هن: –
– العظماء يرحلون بصمت ..أحياناً، والتي بلغت عدد صفحاتها (21) صفحة
– عودة الإنسان، التي بلغت عدد صفحاتها (35) صفحة
وبهذا يكون القاص قد فعّل دور هذا الجنس المهم، كما يحاول أقرانه الذين يودون عودتها الى الساحة الادبية.
كما نجد في هذه المجموعة القصصية، تنوع واضح ومقصود وينم عن وعي ومعرفة لإدخال الإنماط الأدبية المتبعة في التناول السردي، حيث نجد نص قصصي ينتمي الى الواقعية النقدية، وآخر الى الواقعية الغرائبية، وآخر ينتمي الى الواقعية العجائبية، بينما نجد نص آخر ينتمي الى الخيال العلمي، وآخر للفنتازيا.
كما أننا سوف نكتشف، وبعد رحيلنا في متون تلك النصوص وأكتشاف كناها وسبر أغوارها، أن المستهل الذي نولج من خلاله الى عالم تلك النصوص، والذي هو بمثابة عتبة نصية موازية، يقدم لنا الرؤية الشمولية لما أراده القاص من خلال إعداده لتلك النصوص، وضمها لفن صناعة القصة,فهو يشير الى أهم ما يحتاجه الإنسان من اجل تنظيم الحياة.الإنسانية، الامل، المستقبل، فقد إختار مقولة لـ»نيلسون مانديلا» تقول :
((التعاطف الإنساني يربطنا ببعضنا، ليس بالشفقة أو بالتسامح، ولكن كبشر، تعلموا كيفية تحويل المعاناة المشتركة الى أمل للمستقبل)).
وهكذا يكون الخطاب الإنساني، واحد من الرسائل المهمة، التي اراد القاص إيصالها للمتلقي، إضافة الى ما تعنيه مفردة الامل، والمستقبل، والذي نرنو إليهما من أجل الانتقالة الى حياة أفضل.
ومن هنا سوف نكتشف أيضاً أسباب هذا التنوع في التناول السردي، والذي يصب بهذا الرافد، ولكن بأنماط تساهم في شحن مخيلة المتلقي، للوقوف على دلالاتها ورموزها، وحتى إنزياحاتها، التي غيرت شكل الواقع وتحويله الى أحداث تنتمي لهذه الاساليب من أجل نبذه ونقده ورفضه، والبحث عن البديل، لأن كل نص من هذه النصوص يقدم لنا أحداث مختلفة بأطار وأسلوب كتابي مختلف، لترتبط نهاية تلك النصوص، بما يقابلها من واقع الحياة وإظهاره للمتلقي، كحالة مرتبطة بهذا النص.
في القصة القصيرة (العراة) نكون مع أحداث غرائبية، تخرج أحياناً من الواقع لتكون عجائبية، حيث سوف نرافق بطل هذا النص، الذي شاهد لصوص ملثمين قبل دخوله الفندق، وعندما يستيقظ في الصباح يجد كل شيء عاري، هو، السرير، المطبخ، الحمام، ثم نتوغل أكثر لنكتشف كل ساكني هذا الفندق يعانون نفس الحالة وهم عراة، وتتسع تلك الدائرة لتعم كل أبناء الشعب، حتى تصل الى الرئيس، حيث نكتشف أن الجميع عراة، وهو في ذلك يضع أمامنا ما يحدث بالبلد من هؤلاء اللصوص، والذي وصل الامر بهم أن يجعلوا الشعب كلهم عراة.
وهكذا تسير أحداث هذه القصة بإنسيابية، وإيقاع منظم، لكن نهايتها كانت غير موفقة، إذ لا أجد ضرورة أن يظهر القاص في نهايتها ليسرد لنا ما تبقى بشكل مباشر، والاكتفاء بنهايتها التي تسبق هذا المقطع:
(آثرت ان أكتبه، بصفتي شاهداً على تلك الواقعة الغريبة، على شكل قصة قصيرة اسميتها(العراة) من دون ان اعرف بالضبط هل يحيل هذا العنوان الى الجموع التي تعرّت من أشيائها أو الى رئيس المدينة ورهطه ممن تعروا وسط الجمع الغاضب صباح ذلك اليوم؟!) ص 14.
لأن أحياناً يظن القاص أن الثيمة إذا كانت عميقة المعنى وتحتاج الى ذهن متقد، قد لاتصل للمتلقي كما يريدها فيضطر الى الدخول الى متن النص وتوضيحها، ويعد ذلك خللاً واضحاً لأن النص القصصي لا يقبل أي تدخل، وأن الثيمة وصلت ومغزاها ورسالتها وصلت، وليست هنالك من ضرورة لتأكيدها في النهاية، وأن هذا المقطع من النص لو حذف لكانت القصة أكثر نضوجاً.
بينما تنحى القصة القصيرة (دعوة لحفل المجانين) منحاً ساخراً ممتزج بمسحة من الكوميديا، والتي صيغت بأسلوب الواقعية لغرائبية، حيث سنكون مع أحد الصحفيين من كتاب المقالات السياسية، وقد تلقى دعوة من رابطة المجانين الاحرار، لحضور إحتفالها:
(لم اعرف من قبل رابطة باسم (رابطة المجانين الاحرار)، صاحبة الدعوة، لأن البلاد اكتظت في السنين الاخيرة، بمسميات لا حصر لها، لمنظمات مجتمع مدني وروابط ومؤسسات، ثقافية واجتماعية وغيره،) ص 16.
وهكذا ندخل هذا العالم الساخر الذي يثير الضحك، من خلال الوصف الذي قدمه وهو يرسم ملامح الشخصيات المهزوزة، إبتداءاً من ملابسهم، والتفاصيل للحفل والكلمات التي ألقيت على الحضور، والتي هي أصلاً مقالات لرؤساء التحرير والصحفيين الذين حضروا الحفل، حتى أسماء الاحزاب مثل:
حزب الوفاء للوطن، والشمس القادمة، والارض الخضراء وغيرها،
وهكذا تنتهي تلك القصة، نهاية مفتوحة تفضي الى واقع بعض الاحزاب والشخصيات التي تستمد ثقافتها ومعلوماتها من جهود الاخرين لتظهر صورتهم امام الناس لامعة ولكنها مزيفة:
(انتبهت الى الارض التي كانت مغطاة بعشرات المقالات السياسية والثقافية والاجتماعية، التي لا اعرف بالضبط من جلبها، او هل هي من ضمن الرزم التي كان يتأبطها المحاضرون او ممثلو الاحزاب قبل القاء محاضراتهم، أم جلبها اخرون من المدعوين للحفل؟) ص 23
وكذلك نجد في القصة القصيرة (مسبحة ابي) أحداث تدور حول حكاية المسبحة التي كان يحملها والد بطل النص، لترتبط هذه المسبحة بهؤلاء الذين يحملونها في الوقت الراهن وما تعنيه المسبحة من دلالات ورموز تفضي بنا لكشف الواقع.
اما قصة (كتاب الحياة) فتقدم لنا وبشكل فلسفي، ووعي ثقافي، حقيقة الحياة والموت.
ومن عالم الخيال العلمي، نكون مع القصة الطويلة (عودة الإنسان) والتي نطوف فيها في عالم الفضاء والرصد والمجرات والكواكب، وتفاصيل لا تخلو من المتعة والشد.
وهناك قصص قدمت ثيمات واحداث مختللفة، لا تسع الدراسة لذكرها، لكنها قد تضاهي ما قدمناه من نصوص او تزيد عليها.
كما سوف نلاحظ مدى العناية بتلك التقنيات الحديثة التي دخلت مبنى السرد، وأكثر ما يهم المتلقي في تلك النصوص هو الاكتشافات الجديدة التي قدمها القاص، في جهده الواضح من أجل أن تخرج النصوص غيرمتشابهة، وخالية من الزيادات والترهل، وادخالنا في عوالم مختلفة، حيث ندخل الغرائبية، ثم نطوف في العجائبية، ثم نكون مع الفنتازيا، لنرحل الى الفضاء عبر الخيال العلمي
مجموعة القصص (كتاب الحياة وقصص اخرى) للقاص عبد الامير، تنبهنا رغم انشغاله بكتابات اخرى، أن له تجارب سابقة في مجال صناعة القصة، حيث بلغت عدد المجاميع القصصية خمس مجاميع قصصية، وأن خطوته هذه موفقة في تخطي القوالب التقليدية، ونقل نصوصه الى عالم الحداثة.
من إصدارات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لعام 2018