اذا كانت التظاهرات حقا كفلته الدساتير للشعوب في الانظمة الديمقراطية فان ممارسة هذا الحق يستدعي وعيا ويتطلب التزاما بمجموعة من الاخلاقيات تمكن الاشخاص من التعبير عن افكارهم بحرية تامة وتضمن وصول اصواتهم الى اوسع مساحة في الداخل والخارج وخلال اكثر من خمسة عشر عاما استعاد العراقيون اجزاء واسعة من حقوقهم التي صادرها النظام السابق وصار من الطبيعي ان يرى العالم مشاهد التظاهرات في العراق وهي تندد او ترفض او تعترض على قرارات او قوانين او ممارسات طرفها الاخر الحكومة او البرلمان او جهات متحكمة بالمؤسسات الحكومية او الاهلية او تملك سلطة اصدار القرار فيها ولايمكن القول ان ممارسة هذا الحق طوال هذه الفترة الزمنية اتسم بالشفافية او اتسق مع التظاهرات ومضامينها الدستورية والاجتماعية والسياسية والامنية فقد مارست السلطة العديد من الانتهاكات بحق المتظاهرين في بغداد والبصرة ومدن اخرى من دون ان تلتزم بمبادي الدستور وروح القوانين وفي الوقت نفسه تعرضت التظاهرات في العراق الى اختراقات اسهمت في امكنة وازمنة معينة في حرفها عن مسارها وتشويه سمعة قادتها وسمعة المشاركين فيها وباتت الدعوات الى التظاهرات محفوفة بالتشكيك وسوء الظن احيانا ومدعاة للتحسب والتيقظ من جهات سياسية وامنية وللاسف مارس بعض الزعماء السياسيين وقادة الاحزاب اساليب الخداع والتضليل في محاربة هذا الحق الدستوري وخلطوا الاوراق في احداث ومناسبات مختلفة حاولوا فيها رمي المتظاهرين بتهم غير حقيقية وعمدوا الى دفعها باتجاهات خطيرة ابرزها وصمها بالخيانة احيانا واتهامها بارتباطها بجهات خارجية احيانا اخرى والعزف على اوتار التدخل الاقليمي والخارجي وشكلت تظاهرات البصرة خلال العام الحالي انعطافة حادة في موضوعة الحريات العامة تعرضت فيها للاسف القيم والمبادئ التي ينتهجها نظام ديمقراطي تعددي الى التشكيك واضعفت من العلاقة بين السلطة والشعب فيما يحلو للكثير من العراقيين اليوم مقارنة التعامل الذي تقدم عليه السلطات الفرنسية مع المتظاهرين من ذوي القمصان الصفر ومؤيديهم مع التعامل الذي تعاملت فيه قوات الشرطة والجيش العراقي مع المتظاهرين في البصرة وهي مقارنة مشروعة اذا ماقيست بمقاييس التعامل الانساني لكنها بالتأكيد مقارنة صعبة اذا ماقيست باوضاع العراق الامنية والترابط بين ثقافة المتظاهر ورجل الامن العراقي وفهمه واستيعابه لحق التظاهر وثقافة المتظاهر ورجل الامن الفرنسي التي تمتد التى قرون طويلة اسهم الاستقرار السياسي والرخاء الاقتصادي الفرنسي والتطبع الحضري والاجتماعي في تهذيبها وتوجيهها باتجاهات صائبة مانحتاجه فعلا هو المزيد من الوعي وبذل الجهود لتكريس ثقافة التظاهر وحماية المتظاهرين والايمان بالحقوق التي سنها الدستور وتلك قضية تتحملها الدولة العراقية اولا .
د. علي شمخي
ثقافة التظاهر !
التعليقات مغلقة