الحلقة الثامنة
تواصل ثقافية الصباح الجديد نشر حلقات من كتاب: سرقة حضارة الطين والحجر للكاتب حميد الشمـري
تناولنا في الحلقة السابقة كيف ان الوادي مجبرا على الانفتاح على جميع التيارات الحضارية وغير الحضارية بسبب جغرافيته ونتيجة طبيعية للاجتياحات والغزوات الخارجية التي تقوم بها الشعوب القادمة من المناطق المحيطة به مدفوعة بحاجتها للبحث عن الارض الخصيبة. وكيف ان بعض الغزوات تقضي على دول قائمة وتؤسس على انقاضها حضارات عظيمة كامبراطورية بابل الاولى التي اسسها سن مبلط وابنه حمورابي.
لقد اولدت بلاد ما بين النهرين (بلاد الرافدين) ووادي النيل اعظم حضارتين عرفهما العالم ، والحديث عن اي منهما قد ظهر اولاً ، لا يخدم سوى غرض ضئيل ، ولكن يبدو الان محتملا بصفة عامة ان بلاد الرافدين سلكت الطريق بصفة اسع قليلاً ، وانها وهبت في عصر متقدم اكثر مما اعطيت وسواء كان الامر كذلك ام لا ، فالشيء الاكيد هو ان يكتب على درج التاريخ انه قد ظهرت منذ زمن غابر قبل معجزة اليونان ، انطلاقةٌ مبدعةٌ مزدوجةٌ للعبقرية البشرية قبل ستة الاف سنة في بلدين مختلفين ، سجلت خطوة حاسمةٌ في اتجاه سيادة الانسان على محيطه ومن ثم اتقدت المدنيةُ وانتشرت عبر الحضارات المتعاقبة انتشار النار في الغابة – بارو , اندريه – سومر فنونها وحضارتها) كان في وادي النيل حضارة عظيمة تساوى وقت ولادتها مع ولادة حضارة بلاد الرافدين إلا أنها اختلفت عنها (جذريا) حيث اكتفت الحضارة الفرعونية باحتضان نهرها الخالد النيل وحبست نفرها في عزلة تامة وطوق أقامته على طول ضفتي مجراه في وحدة حضارية واحدة . ورغم كون شعوب وادي النيل قد جاؤوا من مناطق جغرافية عديدة آسيوية وأفريقية وضمتهم حضارة واحدة متميزة إلا أن هذه الحضارة لم يكن لها تأثير خارج حدودها الإقليمية الا بشكل محصور جدا في الحضارة اليونانية الكريتية وخاصة في فن النحت عندما بدأ النحات اليوناني بتقديم احدى قدمي التمثال عن الاخرى تقليدا لفن النحت الفرعوني . فهي عموما لم تأخذ من أحد او حضارة ما شيئا ولم تعط أحدا او حضارة ما شيئا. كانت محاصرة
بالبحار شرقا وشمالا وبالصحارى والشعوب البدوية غربا وبسكان الغابات الأفارقة جنوبا فظلت منكفئة على نفسها، غارقة بكنوزها الذهبية التي تشعل حماسة وأطماع الأقوام والحضارات المجاورة للقيام بغزوها كالحيثيين والهكسروس والآشوريين والإخمينيين واليونانيين والرومان , ولقد ولدت الحضارة في مصر فرعونية ونشأت فرعونية وشبت فرعونية وشاخت فرعونية وماتت على أيدي اليونان والرومان فرعونية , وكان الفن والفنان فيها تبعا لهذه الحالة قد سجن نفسه رضاءً واختيارا في إطار مثالي مرتبط بالبحث عن ملكوت الموت الخالد بعيدا عن الواقعية أو عبقرية التصرف , ولأن الشعب في وادي النيل كان يعبد الفراعنة كآلهة فقد تم تحرير تمثال الملك الفرعوني من شكله البشري وأسه أبديا بشكل الهة , عدا الفترة الرائعة في تاريخ الفن الفرعوني التي عاشها خلال عشرين سنة من عمره الممتد لآلاف السنين وهي فترة حكم الملك أمنوفس الرابع الموحد الوثني (إخناتون 1369 – 1336 ق م) وكذلك الحال عند الشعوب الفارسية الآرية التي كانت تعيش حالة من العزلة فرضتها على نفسرها باختيارها ولم تخرج من مكامنها إلا لتغزو الممالك الرافدينية ثم ترتد إلى حصونها في جبالها العالية ولذلك لم تؤثر او تذب في حضارات بلاد الرافدين , وأستمر هذا الوضع إلى أن جاء الفاتح الإخميني كورش الكبير الذي غزا بابل سنة ( 39 3 ق م) وأنهى الحكم الوطني في بلاد الرافدين لمدة ستة قرون تقريبا الى حين انتقال الخلافة الراشدية الى الكوفة , وجاء بعد كورش ابنه قمبيز اللذان أسسا إمبراطورية عظيمة ضمت إضافة إلى إيران كل بلاد الرافدين والشام والأناضول والجزيرة العربية و جزءا كبيرا من بلاد الإغريق ووادي النيل وقد أخذت الحضارة الاخمينية الكثير من فنون حضارة بلاد الرافدين كونها ملتصقة بها جغرافيا ولكن ما اخذته من فنونها كان شكليا ولا يمتلك شيئا من دلالات الخصوصية او الابداع , وأعقبتهم الدولة اليونانية في مملكة سلوقيا وريثة امبراطورية الاسكندر في بلاد الرافدين وسوريا ثم ازاحتها الدولة الفرثية وهي من القبائل الايرانية واستولوا على بلاد الرافدين في منتصف القرن الثاني ق م وأسسوا عاصمتهم (طيسفرن – المدائن حاليا) . ثم جاءت الدولة الساسانية التي انتصرت على الفرثيين واتخذت (طيسفرن) عاصمة لها أيضا وإستمرت إمبراطوريتها أربعمائة سنة ( -224 636-) إلى أن إنتهت على أيدي الفاتحين العرب المسلمين في خلافة عمر بن الخطاب سنة ( 636 – م (12هجري)
* ( . سومر فنونها وحضارتها – اندريه بارور
عدد المواقع الأثرية في العراق و شهادات
(ليس من الممكن أن ترمي قنبلة على العراق دون أن تصيب موقعا أثريا ) هذا ما نقلته شبكة الأنترنت عن إحدى عالمات الآثار كانت من المعترضين على الحرب على العراق , (لا يخطر على بالي أن هناك بلاد اكثر خصباً للتنقيبات الاثرية من بلاد الرافدين – ولا يوجد في العراق مكان يقف عليه المرء الا ويبصر في الافق مدينةً اثريةً أو اكثر – الآثاري الامريكي كييرا , إدوارد – كتبوا على الطين) , (لس هنالك في العالم بلد قدم مثل هذه الثروة من الكتابات التي حافظت على شكلها منذُ الاف السنين – رو , جورج), إن المسجل من مدن ومواقع الآثار رسميا حتى سبعينات القرن العشرين حوالي ثمانية ألاف موقع أثري بعضها تل صغير لا يتجاوز خمسة الاف متر مربع مثل تل حرمل (مدينة شادوبم البابلية 1900 ق م – ذات الرقيم) وكثير منها يتجاوز( 10 كلم مربع) مثل أور وبابل والوركاء (أوروك) و (كيثر) ولارسا ولكش ونفر ونينوى و (كلخو) وأشور وغيرها من العواصم الحضارية القديمة وبعضها تتجاوز مساحتها (200 كلم مربع ) مثل سر من رأى ويقول المرحوم د بهنام ابو الصوف في حديث ادلى به الى احدى الفضائيات العربية (ربما يصل العد د إلى مائة ألف موقع أثري وأن نسبة ما جرى التنقيب فيه, لايتب وز وا, ط,نلآ ) وقد يثير هذا الرقم الدهشة لولا أنه صادر من رجل عالم وعارف ومما يؤكد صحة هذا القول أن عددا من المواقع الأثرية لازال يكتشف في العراق بشكل مستمر . حتى أن وزارة الإعلام بناء على معلومات الهيأة العامة للآثار والتراث أصدرت بيانا في الشهر الثاني سنة ( 2012)
تقول فيه إن عدد المواقع الأثرية في ألعراق يبلغ اثنى عشر ألف وخمسمائة موقع وفي أقليم كردستان ازداد عدد المواقع الأثرية المسجلة زيادة كبيرة وهذا يعني أنه خلال أربعين سنة تم اكتشاف أكثر من اربعة الاف موقع آثري , علما أن هالك محافظات لم تمسرح جيدا لسعتها وابتعاد الكثير من مواقع الآثار فيها عن المواقع الحضرية والمدن التي تعمل على تسهيل مهام البعثات الاستكشافية مثل محافظات الأنبار وكربلاء والنجف وذي قار ومناطق الاهوار الواسعة المخادعة والجبال العصية في كردستان وبساتين ومدن المنطقة الوسطى وهذه الأخيرة ما زالت تخفي بين ثناياها العواصم العظيمة ( أكد شروكين ونرامسؤ) و( بابل حمورابي ) و (بغداد المنصور)