نهى جعفر
نفثت المرأة المطحونة التي أتقنت لغة الأنين نيرانها في صدر البدران فصاغتها جملا من الحزن تتنهد ذلك الوأد الاجتماعي في ثنايا تلك القصص التي أصبحت عبارة عن ثيمات تنفرد بتمثل تلك الموضوعة حصرا…ففي قصة كاردينا وشعاع الشمس في بحيرة باردة يثير العنوان فسحة من الأمل من خلال توظيف الطبيعة والفضاء المفتوح الذي نجده متضادا تماما مع الاصطدام بالفضاء المغلق والمعتم الذي يشكل مفاجأة حال ولوجنا في ثنايا النص.. ولعل البدران قد توسلت بذلك التضاد ملامسة تحجيم المرأة وضيق عالمها المسموح به في هذا العالم الذي اتسع لكل شيء ولكنه ضاق عنها حد الاختناق.
تفتتح قصة شعاع الشمس بفضاء الغرفة وفي قصة كاردينيا أول مكان يصادفنا جزء من البيت القديم المقيد بوصف (القصي) المسبوق بوقفة مهدت لتوظيف تلك التفاصيل الخانقة بوصفه سجنا جعلت البدران تلك الأماكن تمارس سلطتها في تأطير الشخصية وعنونتها من خلال أجواء الكبت التي قدمتها وإن لم تكن لها تلك الملامح الواضحة الا أنها كانت قد اومأت لها بأوصاف حملتها تلك الدلالات مثل (القصية ومغارة معتمة وسجن)فانسلخ المكان من واقعه الحقيقي لينسجم مع التجربة الذاتية والحالة النفسية التي تمر بها الشخصية.
اختارت أن تقدم البدران شخصياتها المكبوتة بطريقة الأنا المتسلطة على حساب الآخر المسلوب كل شيء . لجعل المتلقي يشعر بسلبية تلك الشخصية وضعفها والكبت الذي تعانيه على الأقل من خلال تقديم رؤاها على لسان راو عنها ,ثم تقدم حوارا تعبر فيه الشخصية عن ذاتها بمساحة ضئيلة يبدو أنها تقترن بالمساحة الخانقة التي تقيدت بها المرأة في المجتمع من جانب ولتدعم من جانب آخر صمتها الطويل على مدى سير أحداث القصة والمستويات الاجتماعية التي مثلتها وما يحيط بها من قيود المجتمع والأعراف والتقاليد فضلا عن القيود الفكرية التي مهد له القمع الذكوري في مجتمعاتنا.
في قصة كاردينيا وظفت القاصة مشهدا غنيا أسقطت عليه مواجع الشخصية ومعاناتها عبر تمثل زهرة الكاردينيا لشخصية البطلة او توظيفها كرمز لها من خلال تمثل الرقة المفرطة بإزاء القسوة المفرطة الا إن ذلك الوأد الذي تعرضت له الشخصية في القصتين الذي عبرتا عنه بتمثلات عدة لا يحد من أفق تطلعها على الرغم من ثيمة الحزن والسلبية التي هيمنت عليهما فقد شكلت الخواتيم ثيمة تظافرت مع العنوان فمن الفضاء المفتوح الى الفضاء المغلق الى الفضاء المفتوح مرة أخرى :»نظرت حولها فيما الشمس ترسل آخر شعاعاتها الفضية»
وفي قصة شعاع الشمس في بحيرة باردة :»قد تبدأ الحياة حين يظن بها النهاية ….» في المشهدين تتوسم الشخصية في ذلك الجحيم المطبق منفذا يفضي إلى بوابة قد تكون هي النعيم تعبيرا عن تلك الإرادة المكبوتة إلى جانب الحزن في هذا المخلوق الضعيف القوي في الوقت نفسه اختارت البدران إن تزاوج بين حلقات متداخلة من اليأس والأمل في عرض ذلك الكبت المجتمعي الذي تعرضت له المرأة من الخارج وتعزيز ذاتها من الداخل من خلال تلك الرؤى الفطنة لشخصيات القصة التي تعلقت من خلالها بالحياة وبكل أرادة .