صباح محسن كاظم
الرائي العليم، والمتأمل، والسارد ، والمُشاهد، والراوي بقصصه ورواياته .. لما يمور به الحدث العراقي بأزمنته لعقود خلت ، ولما يجري اليوم بتقنية سرديّة مُدهشة لقدرته على تصوير الأحداث باسلوبه الجماليّ والواقعيّ والسحريّ، قصصه ورواياته تمثل الوقائع واليوميات بأزقتنا ومدننا والتحولات في الأحداث الفجائعية في العنف اليومي من الاختطاف ، والتهجير، والتفخيخ وكل الوقائع اليومية الدامية فرصاص الغدر.. وسيف ..ومنجل.. وخنجر الحقد.. الذي يحز الرؤوس لا ينفك من التوقف و حصاد العراقيين منذ شمس الحرية بعد زوال الدكتاتورية ،وكما أزهقت وحصدت الحروب الشباب وخربت المدن بالعقود السابقة ، أزمنة الحرب والعنف وأدت الأحلام الجميلة ،و جعلت أزمنتنا مُقرفة ،مُوحشة، مُحبطة ، تمتلئ بالنذالة ،والدناءة ، والخسة ،يشعر الجميع فيها بالقلق والاغتراب عن الواقع وتهشم الذات من مفسدي الساعات الحياتية التي يأمل الجميع أن يعيشها بسلامة وسعادة. لقد أتقن القاص والروائي المبدع « أحمد خلف « بمشغله التجريبيّ السرديّ بوصف سايكولوجية الإرهابي ،والقاتل، والعصابة ،والمختطف الطرف الآخر (الضحية ) وكيف تمر عليه ساعات المحنة كما بروايته «تسارع الخطى « الصادرة عن دار المدى /152 صفحة/ الطبعة الأولى بالتي دونت المشاهد اليومية بعين سينمائية؛ ورؤى إبداعية ؛والقدرة على إنتاج الدلالات وتوليدها، وتقنيات سردية ساحرة ؛ومن خلال تجربة كتابية طويلة اختمرت به جماليّة حرفة وصناعة المشهد الروائي بمدوناته ومنجزه الذي ينماز ..والسياق الروائي بمهارة فائقة من استهلال الرواية ، وحبكتها ، وتصوير حالات أبطالها، وتعدد الأصوات فيها، فقدم للمتلقي مشاهد سينمائية ومسرحية لوقائع يوميّة التي تعكس القلق والريبة والهلع من المفاجئات والمفارقات التي تمثل تسارع الخطوات نحو الحتوف والمنايا بسكين الغدر والعنف، فالإيقاع الروائي ب»تسارع الخطى» يشي إلى لعبة المصائر في المتن الروائي وسياق السرد المحكم الذي يُهيمن على فضاء وأجواء ورؤية الراوي للأحداث وأبطالها كأنهم بالمسرح وبصراع على –خشبته- من أجل الوجود وبين الأضداد ،فمسرح الأحداث بدراميته التراجيدية تعكس في متن السرد الروائي المبنى الحواري –الحكائي في عنونة الرواية وصورة الغلاف الموحي لدلالات عدة تشبث القدم والأخرى لحث الخطى للنجاة في خضم أحداث الرعب ب(الاختطاف) من عصابة احترفت القتل تجوب العاصمة ومجهولية المصير للضحية وحالة (عبد الله ) البريء ؛ ودور (فاطمة ) في خلاصه وطريقة هروبه، وغموض شخصيتها، ولحظات القلق التي تكاد توقف وجيف القلب عند الاختطاف والتحقيق في استهلال الرواية ص7:( -هل لي معرفة أين أنا الآن ؟
– لتبقَ ساكتاً وساكناً أيضاً عليك أن تكفّ عن السؤال ؛ لن يصغي إليك أحد ،ألا تسمع ُ الريح كيف تعوي في الخارج ؟ لعلَّ هذه الريح ستكون لك عوناً غداً مع مجيء الصباح أو بالحري فجراً،…)وحرص (عبد الله ) على كتابة مسرحية (الصرة) عن حكايا الشهداء والإرهاب وعن (أم عباس ) .وشخصيات أخرى ك(هند –رياض ) بنت أخته في تعرضها للاعتداء على عذريتها ومحاولات المجرم رياض تصفية (عبد الله ) لمطالبته حفظ كرامة هند ، إن الرعب من الاختطاف وذكرى سيارة الجمسي ولحظات الرُعب وحوارات العصابة بينهم وهي تتردد بمخيلته ص84 (وهو مازال معصوب العينين موثق اليدين ،مسلوب الإرادة لا يأخذ شيئاً ولا يعطي شيئاً،….) ص120 ( حين شاهدتُ الجمسي قلت أني صائر إلى الموت لا محال !! إلى اين يمكنني الهرب منهم ؟ وهذه السيارة تحت إمرتهم جاهزة للانطلاق ورائي حيثما أولي الأدبار !! قلت هيهات أن أستسلم من يأس أو أتورط في أن أسلم قيادي لهم ….)استدعى بعد هروبه أن يغير أسمه فالعصابة تعمل بفعالية ونشاط بالحانات والطرقات وتبحث عنه لقتله فلقد أصبح مُطارداً ! لقد تداخل البناء القصصي السردي مع البناء المسرحي بمشاهد الرواية الزمكانية كأنها تغدو قصة داخل قصة .مسرحية داخل مسرحية تروي فجائعنا ، يتبع..