في ظل عودة تدريجية للحياة الطبيعية
متابعة الصباح الجديد:
بمجرد أن استعادت القوات العراقية الضواحي الشرقية من الموصل من داعش العام الماضي، تلقّى التجّار في إقليم كردستان المجاور سيلا من المكالمات الهاتفية – أصحاب المتاجر، الذين بحاجة ماسة إلى الإمدادات، عرفوا أين سيكون شريان الحياة الاقتصادي التالي.
يقول لازكين محمد، صاحب متجر في كلك: «قبل فوضى داعش هذه، أنا لم أُمارس الأعمال التجارية مع الناس في الموصل، لكن بمجرد أن فتح الجيش العراقي الطريق ومنح التجّار هنا فرصة، جميعهم أخذوا بالعمل. أصبحنا فجأة نُمارس الأعمال التجارية مع الموصل».
يُرسل محمد ما يصل إلى عشر شاحنات مملوءة بالأرز والمعكرونة وغيرها من المواد الغذائية من كلك كل يوم. بسبب إغلاق الطرق الأخرى المؤدية إلى المدينة، فالبلدة في إقليم كردستان أصبحت نقطة التجارة الكبيرة على الطريق إلى الموصل.
في الأعوام الثلاثة الماضية، عانى سكان الموصل سيطرة داعش، ومن حصار وحملة وحشية لاستعادة المدينة، ثاني أكبر مدينة في العراق، لكن الشركات في جميع أنحاء المدينة، بحثت عن طرق للحفاظ على حركة التجارة.
الآن بعد أن أخرجت القوات العراقية الدواعش من شرق المدينة وتُقاتل المسلحين في غرب المدينة، فإن التجّار في إقليم كردستان في العراق هم من يزوّدنهم بالبضائع.
عندما استولت داعش على المدينة في عام 2014، تعهدت بمسح الحدود وخلق «الخلافة»، وجد التجّار أنفسهم يبحثون عن طرق تجارية جديدة. خطوط التوريد العراقية التقليدية إلى المدينة كانت مغلقة أو أصبحت مُكلفة جدا.
لجأوا إلى التجّار السوريين، الذين بدورهم في بلاد مزقتها الحرب والذين بنوا شبكات لنقل البضائع التركية إلى سورية. كان بإمكانهم نقل المنتجات إلى داخل الأراضي السورية التي يُسيطر عليها الدواعش، التي أصبح بإمكان العراقيين الوصول إليها كجزء من خلافة داعش.
من خلال مشاركة المعلومات الشفوية، وجد تجّار الموصل تُجّارا مثل محمد، وهو سوري، على بُعد 700 كيلومتر في بلدة كيليس على الحدود التركية. في غضون أسابيع من سيطرة داعش على المدينة، محمد، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الكامل، يقول إنه يتعامل مع طلبات من رجال الأعمال في الموصل الذين لم يعمل معهم من قبل، لكل شيء من زيت الطهي إلى ألواح الشكولاتة. يقول محمد: «كل شيء كان قائما على الثقة. لم أعرف أسماءهم، ولم يعرفوا اسمي. كانوا يعرفون فقط أنني أملك هذه الشركة».
كان يتم تبادل الأموال من خلال شبكة غير رسمية من مكاتب تحويل المال في الإقليم، المعروف بالعربية باسم «الحوالة»، التي تشبه نسخة من ويسترن يونيون قائمة على الثقة.
في الأيام المُبكرة من هذه التجارة الجديدة، كانت الشركات في الموصل تطلب «السلع الكمالية»، مثل ألواح الشكولاتة الأجنبية الصُنع ورقائق بطاطس برينجلز التي كان قد توقف السوريون الذين مزقتهم الحرب عن طلبها منذ فترة طويلة.
هذا تغيّر بسبب ارتفاع تكلفة نقل البضائع على طول الطُرق التي أصبحت متشابكة على نحو متزايد لأن داعش خسرت الأراضي في سورية والعراق.
يقول أحمد، الذي يبيع الحلويات في الموصل: «في البداية، كان لدينا الكثير من البضائع، لكن في النهاية، توقفت وكانت مُكلفة فعلاً. شوكولاتة كواليتي ستريت البريطانية هذه لم تكُن متوافرة بعد الآن، أو الحلوى التركية».
في أول عامين من حُكم داعش، كان أحمد يشتري الشوكولاتة والقهوة عن طريق سورية من تركيا وحتى من مكان بعيد كلبنان. الآن يعتمد أيضا على إقليم كردستان من خلال الوسطاء – يُحظر على السكان العرب في الموصل دخول الإقليم من قِبل حكومة إقليم كردستان للحؤول دون تدفقات الناس الهائلة. قيود السفر أصبحت بمثابة فرصة للبعض.
ناطق الزنكلة، جزء من الأقلية الكردية في الموصل، شعر بالانزعاج عندما عاد إلى قريته خارج المدينة ليجد متجره لقطع السيارات منهوبا. بعد ذلك أدرك أن قدرته على دخول إقليم كردستان كانت تعني أن بإمكانه كسب المال باستخدام شاحنته لنقل البضائع.
يقول في متجر للبيع بالجملة، في الوقت الذي يُحمّل شاحنته بالأرز والطحين واللحم وبضائع أخرى: «هناك الكثير من الطلب الآن؛ الموصل تحصل على احتياجاتها من أربيل». أربيل، عاصمة إقليم كردستان، تحصل على احتياجاتها أيضا من الموصل. العراق وإقليم كردستان يُكافحان من خلال الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط والحرب المُكلفة على داعش.
الآن، يقول التجار الكرد في كلك إن دخلهم ارتفع بنسبة من 30 إلى 60 في المائة منذ أن بدأوا التجارة مع الموصل. البضائع القليلة التي تُغادر الموصل تعكس المأساة التي عانتها. أكوام من المعدن الملتوي والأسود من المباني المقصوفة، وإطارات السيارات، وحتى أغلفة الرصاص المستخدمة مُكدّسة في كثير من الأحياء الشرقية بانتظار نقلها بالشاحنات وصهرها.
يقول تجّار كلك إن الكيلوجرام من الأغلفة المصهورة يجلب نحو 4500 دينار عراقي (3.82 دولارا). الصُلب يُباع مقابل 80 دولارا للطن. الجيش العراقي يمنع التجارة.
يشعر بعض التجّار بالقلق من أن الطفرة التي تتمتع بها كلك لن تدوم طويلا.
يقول حسين، أن مصنعه لصناعة الطوب استفاد من الاندفاع لإعادة بناء المنازل المقصوفة: «بمجرد إعادة فتح المصانع في الموصل، لا أعرف ماذا سأفعل». لقد ارتفعت أعماله وانخفضت عدة مرات خلات أعوام عدم الاستقرار التي هزت البلاد منذ الغزو الأميركي في عام 2003.
حركات التمرد تسببت بالانخفاضات، من ثم ارتفاع في إعادة البناء. قبل بضعة أعوام، عندما أدت هجمات داعش إلى فرار أعداد كبيرة من الناس، استفاد لفترة وجيزة من خلال صناعة كُتل الطوب اللازمة للملاجئ المؤقتة.
يتنهد حسين قائلا: «هذا يحدث دائما في العراق. إنها دورة بلا نهاية».