واشنطن تركز تعاونها مع القاهرة لدحر الارهاب
متابعة الصباح الجديد:
بدأ الناخبون المصريون أمس الاثنين الإدلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة المصرية في ثاني خطوة من خارطة الطريق التي أعلنها قائد الجيش السابق عبد الفتاح السيسي وقت عزل الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في الثالث من تموز.
ويخوض السيسي الانتخابات منافسا للسياسي اليساري حمدين صباحي الذي جاء ثالثا في انتخابات 2012. والخطوة الثالثة والأخيرة من خارطة الطريق هي الانتخابات التشريعية التي يتوقع أن تجرى قبل نهاية العام. وكانت الخطوة الأولى تعديلا لدستور صاغته جمعية تأسيسية غلب عليها الإسلاميون عام 2012.
ويحق لأكثر من 53 مليون مصري الإدلاء بأصواتهم. وقال التلفزيون المصري إن الرئيس عدلي منصور أدلى بصوته في لجنة بمصر الجديدة ونقل قوله داعيا المصريين على المشاركة “أنا بأقول لكل مصري انزلوا شاركوا في بناء مستقبل وطنكم”.
واستقال السيسي من منصب وزير الدفاع والإنتاج الحربي وترك قيادة الجيش في آذار ليتسنى له خوض الانتخابات طبقا للقانون الذي يمنع العسكريين العاملين من الاشتغال بالسياسة. وفي مدينة السويس شرقي القاهرة قالت شاهدة عيان إن قوات الجيش والشرطة اقامت حواجز معدنية خارج مراكز الاقتراع وسمحت للناخبين بالوصول إلى اللجان الانتخابية بعد التأكد من هوياتهم.
وقال صابر حبيب أمام لجنة انتخاب وهو يلوح بقبضة يده في الهواء “إحنا شايفين السيسي راجل صح (حقيقي). مصر تحب الرجل القوي”.
ودعا الاخوان الى مقاطعة الانتخابات التي يعتبرونها باطلة لانها جاءت نتيجة “انقلاب” السيسي على مرسي المنتخب ديموقراطيا, وطلب السيسي من المصريين التصويت بكثافة.
وكتب المحلل الأميركي زاك غولد تقريراً عن مصر جاء فيه, حاولت الحكومتان الأميركية والمصرية، خلال الشهر الماضي، تجاوز التشنّجات التي طبعت العلاقات الثنائية بينهما منذ الاطاحة بمرسي في تموز 2013، وذلك عبر إعادة تركيز العلاقات حول المصالح المتبادلة الملحّة، أهمها مكافحة الإرهاب. بالرغم من أن هذه المقاربة تبدو منطقية، يستمر التوتّر لأن تعريف “الإرهاب” يختلف بين الطرفَين, وحتى في الوقت الذي تتعاون فيه الولايات المتحدة مع السلطات المصرية من أجل التصدّي للتهديدات في سيناء وسواها من المناطق الحدودية المصرية، ستظل العلاقة بين البلدَين مشحونة ـ ومن غير المرجّح أن تتدفّق المساعدات بحرية وسهولة ـ بسبب إصرار الحكومة المصرية على تصنيف المعارضة السياسية في خانة الإرهاب أيضاً.
تواجه مصر تهديداً إرهابياً حقيقياً وخطيراً داخل سيناء التي تشكّل أيضاً منطلقاً للهجمات الإرهابية في أجزاء أخرى من البلاد، ومما لاشك فيه أن التصدّي لهذا التهديد يشكّل أولوية أمنية مشتركة. وبحسب مصادر الحكومة المصرية، بلغت حصيلة القتلى في الهجمات الإرهابية منذ اندلاع الانتفاضة في العام 2011، أكثر من 700 شخص في صفوف الجنود والشرطة والمدنيين، مع الإشارة إلى أن حوالي 500 منهم لقوا مصرعهم منذ 3 تموز الماضي.
بالرغم من أن اسم تنظيم، أنصار بيت المقدس، يُشير إلى أن إسرائيل هي المستهدفة، تحوّلت المجموعة، في أقل من ثلاث سنوات على تأسيسها في مطلع العام 2011، من مهاجمة إسرائيل ومحاولة تعطيل العلاقات المصرية ـــ الإسرائيلية إلى التركيز بطريقة شبه حصرية على حربها ضد الجيش المصري، لاسيما منذ صيف 2013. وقد تبنّت عمليات عدة بدءاً من الهجمات بالصواريخ على إسرائيل مروراً بالتفجيرات في شمال سيناء وجنوبها وصولاً إلى محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري محمد ابراهيم في 5 أيلول الماضي والهجمات على الشرطة ومديريات الأمن في محافظات القاهرة والدقهلية والإسماعيلية والشرقية. وفي 25 كانون الثاني الماضي، أسقطت جماعة أنصار بيت المقدس مروحية تابعة للجيش المصري في سيناء بواسطة صاروخ أرض ـ جو محمول على الكتف؛ وفي 16 شباط الماضي، نفّذ التنظيم هجوماً انتحارياً استهدف حافلة تقلّ سياحاً كوريين في طابا، في أول اعتداء مباشر على السياح منذ انتفاضة2011
بالرغم من طموحات أنصار بيت المقدس ودعمهم لفكر تنظيم القاعدة، لاتربطهم أية صلات رسمية بالقاعدة، ولاتشكّل هذه المجموعة التي تتخذ من سيناء قاعدة لها تهديداً مباشراً لأمن الولايات المتحدة. لكن نظراً إلى أن أنصار بيت المقدس تنظيم جهادي يتمركز في الأراضي الحدودية بين دولتَين حليفتَين للولايات المتحدة ويشنّ هجمات ضدهما، فهو يشكّل تهديداً مباشراً لثلاث مصالح مرتبطة بالأمن القومي الأميركي الاستقرار المصري، والأمن الإسرائيلي، والحفاظ على الهدوء عند الحدود بين الدولتَين. وقد صنّفت وزارة الخارجية الأميركية جماعة أنصار بيت المقدس في خانة التنظيمات الإرهابية في 9 نيسان 2014.
خلال الأشهر القليلة الماضية، حقّقت القوات المسلحة المصرية نجاحاً أكبر في التصدّي للتهديد القادم من سيناء عبر تطبيق إجراءات أمنية مشدّدة في شبه الجزيرة. فإصرار الحكومة المصرية على أن جماعة الإخوان المسلمين تقف خلف الهجمات التي يشنّها أنصار بيت المقدس – فضلاً عن أن الإخوان كانوا يشكّلون خصماً سياسياً وجودياً – دفع بالقوى الأمنية إلى التركيز على الإخوان أكثر منه على أنصار بيت المقدس. لكن في الأسابيع التي تلت إسقاط المروحية، قصف الجيش المصري، بواسطة مروحيات أباتشي، مواقع يُشتبَه بأن الجهاديين يختبئون فيها خارج مدن العريش ورفح والشيخ زويد شمال سيناء. من الناحية العملاتية، كان استخدام المروحيات في هذه الهجمات الطريقة الأكثر فعالية – وعشوائية – للقضاء على الجهاديين، لكنه كان مؤشراً واضحاً أيضاً بأن هجوماً واحداً بواسطة صاروخ أرض- جو لايكفي لتعطيل تفوُّق الجيش في القوة النارية على الأرض.
حتى خلال تعليق المساعدات الأميركية بين تشرين الأول ونيسان الماضي بسبب حملات التضييق الشديد على الإخوان المسلمين وسواهم من الناشطين السياسيين، تابع الجيش المصري هجومه في سيناء. تُفضّل مصر عدم الكشف على الملأ عن تعاونها مع إسرائيل، بيد أنهما تنسّقان معاً عمليات الجيش المصري في سيناء منذ العام 2011. وكذلك يتباحث المسؤولون الأميركيون باستمرار مع نظرائهم المصريين حول سبل معالجة التهديد في سيناء
تعتبر الحكومة الأميركية أن عدداً كبيراً من السياسات التي تنتهجها الحكومة المصرية المؤقتة خطير ومقلق، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكثير من الأحكام الصادرة عن القضاء المصري. توافق واشنطن على أن مرسي لم يكن رئيساً فعّالاً ولا جامعاً، لكنها غير مقتنعة بالرواية المصرية بأن الإخوان المسلمين هم العقل المدبّر للإرهاب في مصر. فقد ورد في تقرير وزارة الحارجية الأميركية عن “الإرهاب في دول العالم” للعام 2013 الذي صدر مؤخراً، أن الحكومة المصرية “لم تقدّم أية أدلّة تثبت أن الإخوان المسلمين ضالعون مباشرة في الهجمات الإرهابية التي أعقبت عزل الرئيس محمد مرسي”.
واقع الحال هو أن المسؤولين الأميركيين سئموا من سماع نظرائهم المصريين يردّدون هذا الكلام بدلاً من التركيز على التهديدات الإرهابية الحقيقية القادمة من سيناء وليبيا.
خلاصة القول أن التعاون الأميركي-المصري في مكافحة الإرهاب في سيناء، وعلى الرغم مما قد يعترضه من عراقيل بسبب الخلافات الحالية، يمكن أن يستمر، وسوف يستمر على الأرجح سواء سلكت مصر مساراً ديمقراطياً أم لم تفعل، والسبب هو أن الأمن في شبه جزيرة سيناء يشكّل مصلحة مشتركة للدولتَين.
إلا أنه من شأن الولايات المتحدة أن تزيد إلى حد كبير مساعداتها إلى مصر في مجال مكافحة الإرهاب في حال توقّفت السلطات المصرية عن التضييق على المعارضة السياسية.