قصة قصيرة عودة إلياس الخطابي

أعود للقرية كائنا آخر. هاجرتها في صغري..تقلبت كثيرا في الدنيا حتى أيقنت أن العيش في القرية أو في المدينة هو عيش واحد. لم أحقق ذاتي في المدينة، كما كنت أحلم. لم أبن منزلا، ولم أدخر الكثير من المال، ولم أتزوج. ما كنت أجنيه من العمل أنفقه على الكراء، وعلى مأكلي، وعلى السجائر والخمر. كنت كائنا يكره المخدرات.. لكني في مرات كثيرة لو لم أشرب بعض قنينات الويسكي لجننت، أو انتحرت. الآن أعود للقرية.. هكذا بكل سهولة. أتخلى عن كل شيء في المدينة. عن الأصدقاء..عن أماكني المفضلة..عن حبيبتي التي كانت تزورني للعمل، ولا تتعب من مرافقتي رغم أنها كانت توقن أني لن أتزوجها. أتذكر حينما كانت تقول لي ونحن نتمشى: -أنت يا محمد في قلبي..لا يهمني أن نتزوج ..المهم هو أنني أجد فيك السند وذلك الشخص الذي كنت أتمناه منذ صغري أن يحضر بحياتي .. أجمع حقيبتي وأمضي. أبكي من الداخل. أحزن ولا أحزن. أشعرني بين الحزن والفرح. أقول لنفسي كي لا أنهار: -لماذا ستحزن وأنت الذي قررت العودة للقرية؟ أذهب لصاحب الغرفة وأمد له المفتاح وثمن الكراء الذي يدينه لي. يحدق بي بغرابة ثم يسألني: -محمد ..هل ستغير الكراء أم أنك ستغير المدينة كلها وتهاجر؟ أجيبه: -سأعود للقرية تصيبه الحيرة ويسألني من جديد: -كيف ذلك ..؟ ماذا تقول! ما الذي أغضبك وجعلك تعود وتغادر لمسقط رأسك..؟ . ألا تعرف أنك صرت فردا من العائلة ! أنظر إليه وأجيبه باختصار: -فكرت كثيرا وفي الأخير بدا لي العودة هي أفضل خيار..كما ترى لقد عشت هنا لأكثر من عقدين من الزمن ولم أحقق شيئا أتركه وأغادر. ينادي علي ويكرر ذلك. لا أتوقف، ولا أنظر إليه. أمشي وأنا مليء بالدموع، ومليء بمشاعر مختلطة. عقل يخبرني بأن أعود، وعقل آخر يشجعني لأواصل سيري، ويحثني على العودة. أصل للمحطة وأركب في الحافلة. أصل لمسقط الرأس. أنزل حقيبتي وأحملها على ظهري وأمضي. ألتقي في الطريق بأناس القرية. كل من أسلم عليه يسألني عن الأحوال. أجيبه: -المدينة صار العيش فيها لا يطاق يجيبونني: -الحياة صارت صعبة في كل مكان أواصل سيري. أصل للمنزل. أجد الوالدة في الخارج ترش الشعير للدجاج. أقبل رأسها. ترضي علي. تدخل للداخل. أتبعها. نجلس في الصالون الصغير ونبدأ في الحديث. تقول لي: -لقد تركتني هنا منعزلة في هذه القرية..والدك يظل في الحقل طوال النهار..أختك تساعدني في كل شيء، ومنها الذكر والأنثى.. أقول لها لعل مزاجها يتغير: -لكن الآن عدت..عدت لأظل هنا دائما تضحك ..تقوم وتقبل رأسي، ثم تقول: -أحسن شيء تقوم به يا ولدي ..أنا راضية عليك أكثر في الدنيا والآخرة فجأة يدخل الوالد. أراه قادما ..أنهض وأتقدم نحوه. يضحك ثم يعانقني. يقول لي ونحن نتجه حيث تجلس الوالدة: -لقد قلت لك ستعود.. ستعود إلى حيث ولدت ..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة