غريب ملا زلال
إذا كان متحف الأمن الأحمر الوطني في السليمانية والذي يديره الفنان التشكيلي آكو غريب، المتحف الذي يعد بحق أحد أبرز معالم هذه المدينة، المكان الشاهد على عصر التعذيب بكل الوسائل التي يمكن للعقل أن يتصورها والتي لا يمكن أن يتصورها، ولزمن مازالت رائحته تقتل الروح هو المكان الذي حضن (36) عملاً فنياً هي نتاج فعالية سيمبوزيوم السليمانية الثالث الذي شارك فيها ثمانية عشر فناناً وفنانة من كرد سوريا وكرد العراق.
فنانون كرد قادمون من دول اللجوء الإغتراب القسري، من المانيا، ودنمارك، والسويد وبلجيكا ومن الداخل السوري ومن داخل كردستان العراق ليعزفوا معاً سيمفونية اللون والحب، ويشكلوا مجموعة مثقلة بالحماس لإحياء الجمال الكامن في الإنسان وفي كردستان، لتخفيف الوجع عنه ورسم ملامحه بالشكل الذي يسمح لهم بإطلاقه كمعالم لمفهوم جديد ينشده الإنسان أينما كان.
فالجميع كان يهفو لتفتيت الحزن بعد إدراك مقدرته الهائلة لمرافقة الكردي أينما حلّ بترحاله وإغترابه، فالغلبة هنا له والأمر ظاهر في مجمل المنجز الذي تم تقديمه.
أقول إذا كان متحف الأمن الأحمر الوطني هو المكان الذي فيه سيقول الفنانون المشاركون كلمتهم فهذا وحده كاف على الرسائل الكثيرة التي أطلقها هؤلاء الفنانين وهم يستعدون لرسم فضاءات السليمانية بألوان حفت رنك (7 ألوان) ذات الإسم للجهة التي قامت بتنظيم هذه الفعالية التي إمتدت في حيّز كل ما فيه يشكل رفض المستحيلات وما تحمله من قناعات لا تكف عن الحضور في زمن ما قد نعيش بعضه إلى الآن.
أن تلتقي الأجنحة في جسد يمضي عميقاً في المكان وبخيارات كثيرة هو سعي جميل إلى التحليق بتشكيلة واسعة من التجارب والخبرات التي لا تكف عن التشبث بمنظومة قيم معرفية جمالية مولعة بالزمكان بقدر تشبثها بكافة السبل الباحثة عن اللامألوف.
فالفن بوصفه ترددات جمالية للطيب القائم في الأشياء متشظياً في الروح وكأنها مغازلات تحطم القبح الكامن فيه مهما كان محكماً بثقله سيتكلم بلغة تنبثق منها مجمل الحركات القادرة على إغراء متلقيها بكل مسكها مهما كان التناقض متناغماً فيها.
أن يلتقي تشكيليون كرد سوريون وكرد عراقيون في مدينة السليمانية عاصمة الجمال والفن والثقافة في كردستان لإقامة حلقات إتصال بين تجارب لكل منها وضعها الخاص في حضرة مآزقها، لكل منها بوصلتها في السير نحو الإستكشافات في حالة يقودها الفنان حيناً، و تقوده هذه الحالة حيناً آخر حتى يعيدا معاً تلك التصورات التي تنتقل بعملياتها من رؤيا إلى رؤية أوالعكس لا كمعالجة أولية لأفكار قد تستغرق في الفضاءات بتجسيد حسي وحدسي، بل كبحث أولي نحو تفجير الطاقة الإيحائية للون على سطوح تساهم بدورها في إثارة تفاصيلها إن كان من خلال تبني رؤية خاصة أو من خلال تفعيل التغيير في السبل التي سيتوجب بالضرورة السير فيها نحو ترسيخ في بنيتها وما يحيط بها من مظاهر حياتية لإقامة جسور بين الرؤى المختلفة ولتجاوز التأثيرات التي قد تمزق بين الداخل والداخل، بين الداخل والخارج.
فيمكن للإشارات والرموز حينها أن ترسل بين طياتها الكثير من التفسيرات التي لا نهاية لها
إن الرغبة في طرح أسئلة وإجابات تمتد بجذورها في البنية العميقة للثقافة الكردية، لا كمآزق محتملة لخطاب حزين وكل انكساراته توحي بالجدل الذي يكون على أشده في العلاقات التي تفرض اشتباكاتها في كشف الحال والبحث عن مجرى مغاير تمثل لحظة الإندساس بين الأنساق الكامنة في قيم تمضي في الظلام، أقول لا كمآزق بل كشروع في إنجاز ما لا يتيه في حضرة التحولات الكثيرة، كشروع في الافتتاح على دروب يسعى كل مبدع على ارتيادها. أن يلتقي تشكيليون كرد في السليمانية ليدونوا بألوانهم لوحة مهمة من التجريب، لوحة حافلة بالحصاد الوفير لعمري هي لوحة تضفي على الحضور حضوراً وعلى التجريب تجربباً وعلى التفرد تفرداً.
حقاً عاش المشاركون أياماً لن تنسى، فبين 3-10 -9-2021، كانت شوارع السليمانية تزين بهم، فجميعهم كانوا زاخرين بالحركة ويتدفقون كدلالات عذبة وفي حدودها القصوى معبرين عن هذه التظاهرة الفنية، عن تصوراتهم التي ستنتظم في رؤى طافحة بالمعاني والإيحاءات، فما نفذوه سيفضي بهم من جمال إلى جمال، ومن معنى إلى معنى، بل من لحظة ملتقطة إلى لحظة هاربة، فالجميع يفطن بأن الفضاء الذي يتحركون في رحابه لا بد أن يكون هو الآخر مزركشاً بهم وشاهداً بأن بعض الجميلين مروا من هنا.
نذكرهم على أمل أن نقف على أعمالهم المنجزة هنا وعلى تجربتهم كل على حدا في مواد قادمة.
الفنانون المشاركون من كرد سوريا.
محمد أمين عبدو، غفور حسين، محمود حسو، رحيمو، ملك مختار، زهير حسيب، فرهاد خليل، جيهان إبراهيم، حكمت داؤود، حنيف حم.
الفنانون المشاركون من كردستان العراق كاروان كابان، ستار علي، ريبوار سعيد، ماهر ستار، جيمن إسماعيل، أودير عصمان، طيب بابان، ناز علا
- عن ميدل أيست أون لاين