رائحة القرنفل وأزمة الذات الشاعرة

علوان السلمان

النص الشعري خلق تعانق فيه الذات المنتجة ابداعيا الخيال والحلم.. للكشف عن خلجات النفس باستخدام الطاقات الحسية والعقلية والصوتية عبر بناء يفجر طاقة اللغة باستثمار خصائصها بوصفها مادة بنائية لصور ايحائية..

  و(رائحة القرنفل) النص الشعري الذي نسجته انامل الشاعرة سلامة الصالحي باعتماد الايجاز واثارة الخيال عبر المجاز المحكي المعبر عن لحظة التوهج والكشف عن رحلة بحث عن المعادل الروحي للازمة النفسية التي تمر بها الذات الشاعرة هاجسا مرتبطا بوجودها..

             امي تركتني في اول ايام العيد

              لم استطع رؤية الاراجيح

             كنت خلف عباءتها الضائعة في الطريق

            ابكي…

            اوصلتها حد بقايا الليل

             وودعتني

  فالنص الشعري يندرج تحت باب السرد الوصفي تارة والمشهدي الدرامي تارة اخرى.. فضلا عن مراوحة بنيته الجدلية بين(الحضور والغياب)..الثنائية الضدية التي يقوم عليها النص والتي تسهم في تعميق التحول في الحال والاحوال منذ اللحظة الاستهلالية(امي تركتني ..)..التي تعتمد الزمن الفعلي الحركي القائم على انعكاس الحالة النفسية للذات الشاعرة التي تكشف عن التفاعلية بين (النص/الذات) والذات الجمعي الاخر بما يحمله من وجع ونداء خفي.. مع صدق وحرارة العاطفة وقــــوة

23

المعنى الذي اضفى طابع الحزن المشحون بأساليب المبالغة التي هي(ثمرة من ثمرات الابداع) للتدليل على عظم الفاجعة التي يشير اليها باعث الحالة النفسية للكشف عن حالة شعورية.. فضلا عن التجاء الشاعرة الى الاستعارة المكنية لتشخيص الاشياء(الوحش يتخفى في راسي) من اجل التجسيد في المعنويات وبث الحركة والحياة في الموجودات..

                حين سالتهم اين امي؟

                قالوا سترجع عن قريب..

                كان الوحش يتخفى في راسي

                كوابيس

                يخبئ صور امي

                يوما اراها شاحبة الوجه

                ويوما فرس تنهب موج الريح

                لكنها مذبوحة الاحلام في وسط الطريق

   فالرثاء يسبح في احضان الجسد الشعري ويشكل حلقة من حلقات التعبير عن الاحاسيس والمشاعر الذاتية باعتماد اسلوب الاستفهام المجازي الذي اضفى جمالية ايحائية في الدلالة ما يجعلها تتجه صوب الايجاز والاقتصاد اللغوي كي تحث الخزانة الفكرية للتأمل في التيمة التي وظفتها الشاعرة متمثلة في سلسلة من الآهات والجراحات والتذكر والاستذكار وهي تمضي في مرثيتها ضمن السياقات الشعرية التي تتطاير من جنباتها الصور الشعرية بعذابات الموت والفراق لتتمكن من تقديم نص مفتوح ومتميز بتفرده بالألم ومكتنز بالرمز..

                   من جاء بالقرنفل الى البيت

                   وترك على سياج الدار

24

                   اناء الحناء

                   من قمط اطفال الحارة

                   وقرأ آيات القران الاولى

                   وهذب الطلق العسير

                   بالتضرع والتراتيل

                   وسبح باسم الله في الفجر البهيج

    فالشاعرة في نصها تعي تجربتها وتدرك هواجس نفسيتها المضطربة على المستوى العاطفي التي تحاول ترويضها لخلق التوازن.. بتوظيف الصور التشبيهية الموروثة عن البيئة في عاداتها وتقاليدها  في رثائها الاستذكاري ببناء تأملي تفســـــيري من خلال اللغة/الصورة.. لخلق الرؤية الابداعية لصيغة الانسان في ابهى صوره. فضلا عن معالجة المدلولات الحسية المتصارعة مع الواقع وخلق اشكال خيالية تتناغم والرؤى وتتفاعل والأنساق المكتظة بالحيوية..

               قالوا سترجع عن قريب

               وظل راسي يدور حين يأتي المغيب

               متى تعود…

               عن قريب…

               عن قريب…

    فالنص يترجم احاسيس وانفعالات الشاعرة الداخلية ابداعا رؤيويا عميقا بتوظيف تقانات فنية منها الاستفهام والتنقيط (النص الصامت)الذي يستدعي المستهلك كي يسهم في بناء النص، فضلا عن التكرار النمط الصــوتي والدلالة النـفــسية التي من خـــلالها تفـرغ الشاعرة مشــاعرها

25

المكبوتة لتعيد التوازن بتكرارها عبارة(عن قريب) كونها تشكل المرتكز

الاساس الذي يقوم عليه البناء الدلالي للنص..وبذلك قدمت الشاعرة الصالحي نصا يعبر عن كيانها الانساني ومشاعرها التي تعبر عنها لتعكس القيمة الحقيقية للروح.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة