سلام مكي
إذا سلمنا بأن هنالك معنيين للمثقف، الأول معنى عام والآخر خاص. ما يهمني هنا هو المعنى الخاص للمثقف، الذي أقصد به، من يمارس الكتابة وينتج فكرا في حقل ثقافي ومعرفي معين، وله موقف معين إزاء القضايا الراهنة لبلده. وما نريده من المثقف، هو التجرد من الانتماء للجماعات والأفراد التي يجمعها رابط ما، كأن يكون الدين أو ما يتفرع عنه من مذاهب وتيارات.. التجرد من النزعات الثانوية ولجم الانفعالات العاطفية، لصالح تيار عاطفي أكثر وسعا ورحابة وهو تيار الانتماء للوطن. والوطن ليس ببعيد عن الانتماء، فهو أيضا انتماء وتجمع أفراد، تجمعهم مشتركات معينة، لكن تلك المشتركات تخص الجميع، لا تخص فئة دون أخرى، مشتركات تسمو على كل أشكال الانتماء الأخرى. وأهم ما يميزها هو عدم وجود جانب إقصائي فيها، بمعنى لا إقصاء للآخر، في ظل تلك المشتركات، عكس الانتماءات الثانوية التي غالبا ما تقصي الآخر، كونه يزاحمها، وينافسها. في ظل النظام السابق، كان المثقف يكتب وفق معطيات معينة، تتمثل بالانتماء الحزبي والايديولوجي، يحاكم النص وفق معتقداته هو، فيصدر حكما على قصيدة أو قصة أو أي نص أدبي، بناءً على ما تمليه عليه عقيدته أو فكره السياسي أو الحزبي أو العقائدي، بعيدا عن شروط الإبداع والكتابة. فكان الرواد من النقاد والكتاب، يضعون مشارط العقيدة السياسية والفكرية في جوف النص المعروض أمامهم، فإذا وجدوا أن ما كتبه الشاعر، يتوافق ما يؤمنون به، منحوا النص وصاحبه شارة الابداع، وإذا خالف النص قناعاتهم، حكموا عليه بشتى الأحكام. بعض النقاد، حين يحكمون على نص، فإنهم لا يكتفون بحكم واحد، بل يحكمون بعقوبات كثيرة على جرم واحد. وسابقا كنا نقرأ نقدا على نصوص شعرية أو قصصية، تحاكم تلك النصوص وفق عقيدة أو فكر الناقد. اليوم وفي ظل الفوضى الفكرية والثقافية التي يشهدها البلد، وتوفر منصات التواصل الاجتماعي التي انتجت مناخا هائلا للتواصل وبث الأفكار والآراء بشكل مجاني ولا قيود ولا رقيب أو حسيب. نلاحظ اليوم أن بعض النقاد، وفي ظل انشغالهم بالوقائع السياسية والاجتماعية، وتسارع الأحداث التي تتشابك مع بعضها البعض، فالسياسي يؤثر في الثقافي والفكري وهكذا، نجد أن بعض النقاد، أخذوا يحاكمون الأحداث وفق قناعاتهم الطائفية والمذهبية، بعيدا عن الموضوعية، فالناقد س مثلا يحاكم ظاهرة أو حدث وفق ما تمليه قناعاته الطائفية، فإذا وافق الحدث تلك القناعات ايمانه المذهبي، استحسن ذلك الحدث وكتب عنه كلاما جميلا، أما إذا اعتقد أو تصور أن الحدث ضد طائفته، أو يهدد وجودها أو رمزا من رموزها، فهذا سيلجأ إلى شتى الأساليب في سبيل النيل من ذلك الحدث. ليس كل النقد ولا كل النقاد، لديهم هذه الصفة، بل ثمة نقاد موضوعيون، يكتبون وفق أسس ثقافية وموضوعية رصينة بعيدا عن المؤثرات الفكرية والقناعات المذهبية، لكن ما نلاحظه اليوم، أن هنالك من يكتب وفق تأثيرات الطائفية التي يفترض أن يكون الناقد أبعد ما يكون عنها.