ناقد أم ناقم ؟

-1-
التشابه الشكلي بين لفظيْ ( ناقِد ) و( ناقِم) كبير للغاية ، حيث لا يختلفان الاّ في حرف واحد هو الأخير منهما ، ولكنّ التفاوت في المعنى يجعلهما لا يلتقيان .
فالناقد : لابُدَّ أنْ يتجرد من كل ما يحيد به عن الانحياز او الاساءة الى صاحب النص الذي تمسه يد الناقد .
واذا لم ينتحل الناقد عن الخلفيات السلبية فلن يكون نقده الاّ ضرباً من الإضرار بصاحب النص المفقود على وجهٍ من الوجوه .
-2-
ومن طريف ما سمعت ان أديباً ذكيا عرض عليه شاعران أنْيحكم في ما ينشدانه من شعرهما ، فاستمع اليهما ثم قال :
” كلاكُما أشعرُ مني ”
وبهذا ناى بنفسه عن بيان رأيه الذي سيغضب به أحدهما فيما لو أراد ممارسة النقد الموضوعي الدقيق .
ونحن لا ندعو الى (الطلاق البائن) لعمليات النقد بمقدار ما ندعو الى لزوم الحفاظ على الموضوعية واللياقات الأخلاقية والاجتماعية، تفادياً لجرح المشاعر ، وانكسار الخواطر ، والتطفيف من قيمة ما انتجه العلماء والأدباء في المضامير الأدبية والثقافية والعلمية …
-3-
ولقد فوجئتُ حين رايتُ بعضهم يسارع الى نَقْدِ نصٍشعري قيل في ظروف انفعال واحتباس، ويحكم عليه بالركاكة ..!!
الركاكة تعني الضعف ولم يكن النص ضعيفا ..
والركاكة تعني الاضطراب والاهتزاز ولم يكن النص بهذه المثابة
وباختصار شديد :
انّ العيب لم يكن في النص المنقود ولكن الناقد العزيز تجاوز على المواضعات النقدية كلها :
فلم يرع حرمة استاذه ، كما لم يستأذنه في نشر النص المفقود ، ولم يكن في تعامله مع النص منصفاً من قريب او بعيد، وكلّ ذلك دعا استاذه ان يكتب في غمرة استغرابه من صنيع تلميذه هذه الرباعية :
لا لا فلم يكُ ناقداً
بلْ كانَ مُسْتاءً وناقِمْ
ومعاذَ ربي أنْ أكونَ
له بهذا الوصفِ ظالِمْ
عافَ اللطافةَ والحصافةَ
والظرافةَ والمكارِمْ
وغدا يُطالعنا برأيٍّ
كان مهزوزَ الدعائِمْ
-4-
ولو تتبعتَ ما قاله (الاستاذ) في تلميذه لرأيت العجب العجاب، فلقد كان يُثني عليه، ويجهد في التعريف به وبمواهبه وقدراته ، وهكذا جاءت (اساءة) التلميذ جوابا (لاحسان) استاذه ..!!
وهذه ليست الاّ احدى المفارقات المّرة التي يزخر بها الراهن المعاش..!!

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة