انتظر العراقيون على مدى ستة عشر عاما رؤية مظاهر الديمقراطية في الحياة السياسية بعد أن ودعوا حقبة الاستبداد ومثل الدستور العراقي احد اهم حلقات التغيير في النظام السياسي وتم تعزيز النظام التعددي الجديد بالفصل بين السلطات الثلاث وكان من المؤمل أن تكون هذه الخطوات الجوهرية العامل الأساسي في تدعيم نظام سياسي يحمي التعددية ويفتح الابواب امام تقاليد سياسية تتيح ممارسة الحقوق الديمقراطية وفي مقدمتها التداول السلمي السلطة وصيانة الحريات العامة وضمان الممارسات التي تعكس رعاية الدولة لهذه الحقوق ومنها حرية التعبير عن الرأي وحرية النشر وحرية التظاهر والاعتصام وصولا إلى دولة كريمة وامنة يحظى فيها الجميع على حقوقهم.
ولم يكن احد يتوقع السلوكيات السياسية المشوهة التي تناوبت أحزاب وكيانات وشخصيات على ممارستها بشكل أدى إلى انحراف النظام البرلماني ومصادرة القرارات التنفيذية من خلال تشكيل مراكز قوى سياسية تؤثر على مسار هذه السلطة في أداء دورها ووصلت الانتهاكات والاختراقات إلى اروقة السلطة القضائية وجرى بشكل خفي تسييس مفاصل مهمة في ميدان القضاء حيث كانت التدخلات الحزبية في ملفات مهمة واضحة وجرى الالتفاف على العديد من القرارات وشهدت البلاد ممارسات التسويف والمماطلة تجاه قضايا حساسة ومصيرية أدت في النهاية إلى فقدان الثقة بالاجراءات القضائية واساءت إلى سمعة القضاء بوصفه البوابة الاهم في حماية النظام السياسي الديمقراطي ..
اليوم وفي ظل التداعيات التي يشهدها العراق على الصعد الامنية والسياسية لم يبق من صور الديمقراطية. سوى هياكل خاوية لاتقوى على الصمود بوجه هذا التدخلات المريعة التي نالت من هيبة الدولة وافقدتها القدرة على التحكم بسريان القرارات التي تصدرها المؤسسات المختلفة وباتت هناك قوى وحركات ومجموعات ضغط تشارك الحكومة ومجلس النواب ومجلس القضاء الأعلى في تقرير مصير قضايا ترتبط بمصالح البلاد والعباد ولم يعد من الممكن دحر هذه التدخلات أو منعها في ظل فوضى سياسية اشاعت أجواء القلق وعدم الإستقرار في العراق ويمكن ان تشكل الانتفاضة الشعبية والحراك الجماهيري الواسع دورا بارزا في تحقيق الأهداف والاستجابة للدعوات من اجل استعادة النظام الديمقراطي الحقيقي في العراق وانهاء حقبة التزييف المتمثلة بديمقراطية مشوهة لم يتعرف العراقيون من خلالها على أي حق من حقوقهم واستخدمتها الطبقة السياسية الفاسدة كغطاء وملاذ لتمرير اساليبها وخططها في النهب وفي الاستحواذ على المناصب والمغانم وماتبقى لنا حقا هو النسخة المزيفة من الديمقراطية.
د. علي شمخي