«لكنك ستفعل « للروائي الايطالي جوزبه كاتوتسيلا

ابتسام القشوري

تمرد لتحيا
اشتغل «جوزيه كاتوتسيلا « الكاتب الايطالي في اعماله الروائية الثلاثة الاخيرة كما صرح بنفسه في ملتقي تونس للرواية الايطالية على ثلاث لحظات تعكس حركة هيموريسية وهي السفر والحرب والارساء .
وفي خضم الحركة الثالثة كتب روايته «لكنّك ستفعل « ترجمها من الايطالية الى العربية كل من خالد سليمان الناصري ويوسف وقاص ونشرت في دار المتوسط تمتد على مائتين واربع وتسعين صفحة
وهي رواية من السهل الممتنع بسيطة في مضمونها وبنيتها اذا قرأتها بعفوية و في مستوى سطحي عميقة اذا تعمقت في مدلولاتها وتساؤلاتها الفلسفية لأنها عالجت قضايا راهنة مثل مسألة الهوية والعلاقة مع الاخر والتثاقف وقضايا الهجرة والميز العنصري والتمرد والكره وغيرها
غير ان هذه الرواية وهي تمثل حركة الارساء كما قال جوزيبه فإنها تشمل كل هذه الحركات من سفر وحرب وارساء لأنه في الحقيقة هذه الحركات هي تمثل رحلة الانسان في الحياة.

الســــــــــــفر :
يأخذنا جوزيبه كاتوسيلا في هذا العمل الى اعماق الجنوب الايطالي الى قرية «اريليانا» يعيش سكانها المائنين على الكفاف بعد ان سمم» روكو» احد الاقطاعيين أراضيهم واستولى على ما تبقى من الاراضي واستفرد بالتصنيع واصبح معظم السكان من العاملين عنده بعد ان كانوا ملاكا
ومن الطرافة في هذه الرواية هو ان من يتحمل مهمة السرد هو طفل لم يتجاوز الاثنتي عشر سنة لا يعرف ان كان طفلا ام تجاوز هذه المرحلة
«بيييترو» الذي يرفض لقب يتيم بعد وفاة والدته وعوض ان يسلم بذهابها الى عالم أخر يسكنها داخله ويستحضرها متى جاء يكلمها ويضحك معها ويتجول معها ويغضب منها احيانا وفي الحقيقة فان الام هي مفتاح شخصية هذا الطفل السارد
ونتيجة لفقدان الام وسوء احوال والده المادية يضطرهم الى السفر الى قرية» ارليانا «عند جدهم وجدتهم لامهم حيث سيعيش معهم واخته نينا احداثا غير منتظرة وبنصف قصاصة كتبت عليها نصف جملة وبسؤال مؤجل تبدا رحلة هذا الطفل اولا للبحث عن النصف الاخر من القصاصة التي ربما تحمل الاجابة عن السؤال الذي ينسى دائما ان يطرحه علينا ووهي في محل ثان رحلة لاكتشاف ذاته والاخر وقد اتخذ جوزيبه تأجيل طرح السؤال كخيط تشويقي يشد به القارئ الى احداث الرواية
وبعد الارساء والاستقرار والتأقلم السريع مع الجدين واسكان القرية واطفالها تبدا اللحظة الثانية :

الحـــــــــــــــــرب :
وذلك حين يكتشف بييرو وبالصدفة سبعة مهاجرين في برج مهجور تبدأ القرية في الغليان ورفض الغرباء كما يسمونهم ويخرجون ما فيهم من ميز عنصري كره واقصاء للأخر ويصبح هؤلاء مصدر كل الاشرار وسبب لكل الماسي التي تعرض لها سكان القرية قشنوا عليهم الحرب و قاموا بأذيتهم ماديا ومعنويا ونادوا بطردهم وحتى دعوة الى قتلهم جميعا
ولكن جوزيبه على عكسهم ولأول مرة يخرجنا من الصورة النمطية التي يعرفها الاخر عن المهاجر فيخرجهم في صورة مشرفة فهم متحضرون واذكياء ومبادرون واصحاب حضارة وفن وما اكثر هؤلاء التي تضطرهم الظروف التعيسة في بلدانهم الى الهروب من جحيم الحرب والديكتاتورية بعد ان كانوا يعيشون بسلام في بلدانهم كما ان الكاتب يحرص في هذه الرواية على عدم ذكر اصول هؤلاء المهاجرين فلا نعرف لا لونهم ولا لغتهم ولا دينهم فهم مهاجرون في المطلق.

الارســــــــــــــاء :
ولهذا يجعل الكاتب هؤلاء سبب لإرجاع الامل لسكان القرية ويكونون مصدر المبادرة في تخصيب الاراضي وعودة الامل من جديد لملاكها وبعد هذا الارساء الوقتي وبداية اندماج هؤلاء في القرية وبداية التعايش السلمي بينهم يعود بنا الكاتب الى الواقع من جديد ليختار لهؤلاء نهاية مأساوية وهي الدخول الى السجن بعد تأمر روكو والسلطة عليهم وهنا يتعرض كاتزتسيلا الى قضايا الفساد والمافيا السياسيين و الاقتصادية والمحسوبية وتواطؤ السلطة مع هؤلاء.
وتنتهي الرواية فعلا بالإرساء فسكان القرية يختارون التسليم بالواقع لاقتناعهم انهم لا يستطيعون الوقوف في وجه هذه المافيا التي تستحوذ على البلاد و يواجه المهاجرين الارساء الاخير وهو السجن حيث كانوا كبش الفداء في لعبة اكبر منهم
اما الارساء الاخير فهو لبييرو الذي يختار له كاتوتسيلا ارساء ايجابيا لأنه جيل المستقبل في ايطاليا ويحمله رسالة التمرد وعدم الرضاء بالواقع وذلك عندما يجد نصف القصاصة التي لا تناسب القصاصة التي عنده ولكنه اصر ان تكون هي الجواب الذي ينتظره وهي كالآتي: «سوف يعلمونك الا تشرق لكنك ستفعل « ومن هنا جاء عنوان الرواية وهو في الحقيقة يمثل الكوجيتو الذي يؤمن به الكاتب جوزيبه كاتوتسيلا وهو انا متمرد اذن انا احيا
لتكون هذه الرواية رواية ما لا يتجرأ احد على قوله وهي تلخص رحلة الانسان في الحياة وكما يقول جوزيبه الحياة رحلة والانسان يرحل ويرتحل ولكنه يبقى غريب حتى وان عاش في بيئته هي رواية على محليتها يمكن ان تحصل في اي بقعة من بقاع الارض .

• كاتبة تونسية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة