بين احد والساتر
سمير خليل
مازال الناس يتوافدون على ساحة التحرير وبأعداد غفيرة راسمين صورة زاهية للتحدي والإصرار. تحولت الساحة الى عالم خاص يسوده الوئام والمحبة والتلاحم.
اضاءات تكحل المكان، الفرق الطبية، فرق التنظيف، تنظيم سير الاشخاص والعربات، اماكن الاستراحة، سجادات الصلاة، الشاي والقهوة وشتى انواع الاطعمة التي تقدم للمتظاهرين طوال اليوم، إضافة الى الحلاقين والفرق الموسيقية، حفلات زواج.
شباب وشابات بعمر الورود ونساء ورجال وشيوخ وحتى الاطفال تحوطهم الاسلاك ورائحة البارود يلوحون بعلم العراق، ويؤكدون انهم باقون ما بقيت التظاهرات، من امامهم نصب التحرير الخالد، وخلفهم جبل احد (المطعم التركي) الذي يطل على الساتر (جسر الجمهورية)، كما يحب ان يطلق عليهما المتظاهرون.
أحد المتظاهرين عبد العزيز عدنان الطالب في كلية بغداد للصيدلة، والذي يعمل في احدى الفرق الطبية التي تسعف المتظاهرين يقول: “نحن متطوعون كصيادلة وأطباء، شكلنا فرقا عدة منتشرة في ساحة التظاهر، ومن كليات متعددة، إضافة الى اطباء اختصاص متطوعين أيضا.
وتابع: تطوعنا لإسعاف اخواننا المتظاهرين، بسبب الاختناق وحالات ارتفاع ضغط الدم والاصابة بالشظايا، والقيام بعمليات جراحية صغيرة، اما الحالات الحرجة فتنقل الى مستشفيات مدينة الطب والجملة العصبية. نحن نعمل بنظام التناوب، كل ثمان ساعات يتبدل ثمانية مسعفين، وعددنا لا يمكن حصره لان اعداد المتطوعين يتزايد يوما بعد يوم آخر، لن يهمنا مهما طال امد التظاهرة نحن باقون مع اخواننا واخواتنا المتظاهرين”.
في خيمة تحت نصب الحرية مباشرة التقينا السيد عباس ذياب خير الله الذي يشرف على اعداد وتوزيع الاطعمة للمتظاهرين، يقول “انا صاحب موكب حسيني في مدينة الصدر، جئت متطوعا لإيماني بأن ما يحدث هنا، ثورة في طريق الاصلاح، نحن فريق من عشرة اشخاص، إضافة الى زوجتي واطفالي نعمل على توفير ثلاث وجبات طعام يوميا، لا نتلقى دعما ماديا من اي جهة، بل نعتمد على امكاناتنا البسيطة ومن جيبنا الخاص انا واخوتي واصدقائي، نحن هنا منذ الخامس والعشرين من الشهر الجاري، ولم نفارق مكاننا طيلة هذه المدة وعلى استعداد ان نواصل العمل مهما طال امد التظاهرات”.
علاوي جبار حلاق اختار مكانا تحت نصب الحرية، يقف بين مجموعة من الشباب الذين ينتظرون دورهم كي يحلق لهم، يقول: “انا وزملائي نقوم بالحلاقة مجانا لإيماننا بان علينا ان نسهم في هذه التظاهرة الكبيرة. انا اعمل منذ الساعة الحادية عشر صباحا وحتى الواحدة بعد منتصف الليل، انا وزملائي نشعر بالفخر وبفرحة كبيرة يوحدنا هذا الوطن الحبيب”.
ام علي وام غيث من ربات البيوت حضرتا الى ساحة التظاهر لأول مرة لدعم المتظاهرين وتقول المتقاعدة ام غيث: “جئنا نؤيد اولادنا واخواننا لأننا تعبنا، ونأمل ان يزدهر مستقبل ابنائنا وشبابنا، ونصيحة اوجهها لأبنائي ان يرددوا الاغاني والاهازيج الوطنية والابتعاد عن الاغاني الاخرى”.
واخيرا توقفنا قرب احدى عربات التكتك التي اصبحت رمزا لهذه التظاهرات التاريخية وتحدثنا الى اثنين من اصحابها هما جاسم محمد، وعلاوي حسن، وسألناهما عن سبب مشاركتهما بالتظاهرة، يجيب جاسم: “الغيرة العراقية هي التي حملتنا الى هنا، خوفنا على اهلنا وشعبنا وبناتنا، انا وزميلي هنا منذ اربعة ايام ونتناوب العمل طوال اليوم، ونعمل حتى ساعات الصباح ننقل المتظاهرين، وننقل الجرحى والمصابين. اوجه نداء لحكومتنا باننا لن نتنازل عن حقوقنا، باقون هنا حتى نحصل على هذه الحقوق حتى لو تطلب الامر البقاء هنا سنة او سنتين”.