صباح الجاسم
عن دار – آشوربانيبال – للطباعة والنشر – المتنبي – بغداد صدر للناشطة المدنية (روان سالم) ديوانها البِكْر الموسوم ( تواقيع ) مقتبل العام 2019 وقوامه 114 صفحة من القطع المتوسط، وهي لما تزل في عمر السبعة عشر ربيعا. وقد تميزت طباعة الكتاب الجيدة بتصميم الفنان أمير حسن والرسومات الداخلية بانسيابيتها الرائعة بريشة الفنانة ريم .
تم الاحتفاء بالمؤلفة وتوقيعها لكتاب نصوصها في الثاني والعشرين من آذار الجاري في قاعة ملتقى ومكتبة مؤسسة (أبجد) الثقافية ، شارع اربعين مركز محافظة بابل مجاور الخطوط الجوية العراقية ، حيث ازدحمت القاعة بالحضور بخاصة من الشبيبة والناشطين الاعلاميين المتابعين لنشاطاتها ذات القيمة العليا والنوعية المتميزة في فنون الموسيقى والمسرح والأدب. ورافق التقديم لقراءاتها الشعرية عود الفنان أكرم العامري بايقاعاته الهارمونية الرائقة والحنينة وتقديم الشاعرة وئام كريم الموسوي.
وعلى الرغم من صغر سنها فقد اجادت الآنسة الشاعرة روان سالم في منجزها البِكْر هذا بتوليفة من باقة نصوص شعرية منثورة بلغت احدى وخمسين نصّاً تفيضُ بمخزون من البراءة والبوح بعذابات الروح والتمرد والثورة الى جانب المخيال العميق المتشرب بفلسفة من الوجدانية الباعثة على الدهشة والكاشفة عن قلق السؤال عبر مفاصل عرفانية غاية في الجمال.
ما يميّز النصوص ختامها بتوقيع مكثّف يضم ثيمة ما يكشفه النص الشعري، وهو نمط اسلوبي جديد استكشفته الشاعرة مصادفةً ليكون ساندا وداعما لعنوان النص وعنونةً لديوانها.
حطّ أحد طيور نصوصها على الغلاف الخلفي :
لأ أزالُ أبحثُ عن أحلامي
فهي دُفنت مع أحد الموتى سهواً
أنبشُ يومياً ألفَ قبر …
أسألُ الموتى … أين هي؟
فيجيبوني بضحكةٍ رخيصة:
مجمّدةٌ بيد الأحزاب!
التوقيع : جسدٌ في العراق
تتوزع نصوصها بعض سخرية وتساؤلات أثر جوْر المجتمع وشلل العلاقات وتفشي الجهل والخرافة وكأنّ هذا الكم المحبوس قد هزّت صدأه الحروب ، وكما تضوع نصوصٌ أخرى بالعاطفة الهادئة الحكيمة فلا طيشٌ يختال عبر القصائد فضلاً عن ثيمات تخضع للمونولوج الداخلي فالشاعرة تُحْسن التعبير عن أنا الذات والآخر مثل ما تتمرد على الواقع المرّ سيما وهي ناشطة في حقوق الانسان والمطالِبة باحقاق الحق وانصاف الفقراء، فلا عجب أن تفوز بجائزة ( التوليب) الدولية لحقوق الانسان عام 2018..
يبهرنا من بين النصوص ( بكاء)، اذ توجز الشاعرة تساؤلاتها المشروعة لكن دونما جواب :
لماذا لا تنزل الدموعُ
من الإتجاه المعاكس؟
تنهمرُ من الأرضِ لعيوننا
فعند البكاء
لا أهمية لقانونِ الجاذبية
التوقيع: جنون
وتردّ على سؤال المُقدِّمة ،( لم البس فساتين كثيرة من الوجع بل الفساتين كانت تُصمّم على مقاسي كل مرة حتى اعتزلتها لألبس البناطيل.)
روان كانت ومازالت تحلم بأن تكون صورة جميلة في وطن ينام ويستيقظ على اصوات الرصاص تقول للعالم اجمع (اذا كان هناك اصبع يضغط على الزناد كي يقتل مواطنا بريئا فلدي عشرة اصابع اعزف بها للحب والسلام).
هذا وقد أفادت من تجربتها الغضّة في الكتابة إلى اعلانها من أن الكتابة انما هي مخاضٌ فكري للكاتب ممكن حصوله نتيجة حدث أو سهو أو فراغ أو حتى وجَع .
عن بدايتها الأولى تقول : من صغري احب اسمع الشعر ، وقد كانت البداية من معارضة والدي بشأن رأيه حول القصائد الشعبية التي أساءت إلى جمالية الشعر الشعبي لشعراء وأدباء كبار ، حينها تحديت رأي والدي ودخلت الغرفة وكتبت نصاً عن الحب . فضحك والدي ولم اعرف حينها لماذا. تمنيت لو اني لم ادخل تلك الغرفة لأمسك بالقلم والورقة لأكتب ، فالهام الشعر مصيبة على الانسان من ثم انا لا اعتبر نفسي موهوبة بل أرى أنّ الشعرَ انما هو طريقة لتفريغ الغضب وطاقة الانسان سواء السلبية او الايجابية منها، ( لروان وجهٌ سرّي ، يراقبني هو وجه روان المتسائلة .. ونص» نخشى «يتوفر على هذا الشأن .. ).
عام 2014 كان بيت الشعر العراقي قد اعلن مسابقة عن شاعر الطفل العراقي وقد شاركَت بالكتابة وما كانت واثقة من الفوز على انها فازت بالمركز الثاني على مستوى العراق . من ذلك تركز الاهتمام للتواصل على الكتابة وبحسب المزاج.
فيما ترى وئام الموسوي أن الشاعرة تتقمص ام الشهيد مرة وطفلته التي تنتظر على اعتاب المنزل المهتريء الجدران مرة اخرى .. كما وتعلن عن ثورة تتربص من تحت موائد السراق لتطالب بحقوق الجياع..
و « تواقيع « حالة مرتبطة بالوجع والوجع العراقي حصرا، ليس لأنه حمل بين طياته نصوصاً عن الوطن بل لأن نصوص الحب الكثيرة فيه لا يمكن أن تصدر الّا من قلب شابة عراقية، وكأن الشاعرة تلخّص وجعها بـ
- حياتي كتاب، لكل انسان صفحة ، كل الأوراق طويت وتمنطقت بالوداع – بهذا أجملت كلّ الوجعِ الذي فينا.
اما لمن كانت تحاكي ؟ تقول ( روان) : كنت اتحدث مع نفسي وافضفضُ وهذا ما جعلني مطمئنة، وتواصل:
– انا قارئة – ويقيني أنّ لدي خبرة لا بأس بها في القراءة – كل الكتب الناجحة كُتبت للذات وهي فضفضة فلسفية.
اعتبر هذا الجيل محمّلا بالثورة الفكرية والاوجاع والاختلاف الفكري ، الاختلاف هذا مؤثر ويساهم في الوجع .. عموم الأهل يتمنون أن يكون جيل ابنائهم نسخةً تشابههم.. من هنا تبدأ مقومات الصراع.
والدي أول من عارض على اصدار كتابي هذا وله مبرراته..
انا اطمح أن اعيش حياتي قيد اللحظة ، ينبغي أن احسّن من وضعي حاضرا ، اما المستقبل فلأهله..
جاءت فكرة توقيعي ختام كل نص من الفراغ.
موفق محمد اعتبره اسم مرعب في الشعر العراقي هو قامة شعرية سامقة وهو خيرة من يكتبون السهل الممتنع. طلبت منه قراءة مسوّدة كتابي فرفض بتفكّه ، من هنا جاء اهدائي له :
« إلى شاعر الوجع العراقي موفق محمد الذي رفض أن يقرأ كتابي قبل أن يُطبع ونصحني بأن أعرضهُ على بائع ( المخضّر) بدلا من ناقد!» . بائع الخضراوات أقرب الى المتحسس المجتمعي ، كان موفق الشاعر حصيفاً في تشخيص مرارة الواقع.
أما عن ما يقلقها من سؤال، فتعقّب بالقول :
أسألُ كَتفي
كَم تحملتَ من الدموع؟
فلا يُجيب…
أراهُ قد نحتَ خِصرَهُ
صارَ لهُ مجرىً للدموع
حتى تحولَ لنهرِ بكاء
لكن أينَ سيذهبُ كتفي
ان أرادَ البكاء ؟
التوقيع : وِحدة
اُختتم حفل التوقيع باهداء الهدايا المتنوعة كما أهدى الاستاذ كريم الموسوى المجموعة الكاملة لديوان الجواهري من ثم تزاحم الحضور لاقتناء نسخهم سيما وقد طُبع الكتاب على نفقة المؤلفة