اردرين قدمت درسا لزعماء العالم
متابعة ـ الصباح الجديد :
مع إذاعة الأذان في نيوزيلندا، انضمت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن الى حوالى 20 ألف شخص، في الوقوف حداداً على الضحايا، في حديقة «هاغلي» أمام مسجد النور الذي سقط فيه معظم القتلى، خلال المجزرة التي نفذها الأسترالي برينتون تارنت أثناء صلاة الجمعة الأسبوع الماضي.
وقالت: «نيوزيلندا تشاطركم أحزانكم. نحن واحد». وارتدت أرديرن التي أحاط بها وزراء ومسؤولون أمنيون، غطاءً للرأس وملابس سوداء. كذلك ارتدت شرطيات في الحديقة أغطية رأس وعلّقن وردة حمراء على ستراتهنّ.
وأوردت صحيفة «نيوزيلند هيرالد» تلقّي رئيسة الوزراء منشوراً على «تويتر»، يضمّ صورة بندقية وعليه تعليق يقول «أنتِ التالية»، علماً ان أرديرن أعلنت حظراً على البنادق الهجومية شبه الآلية بعد الهجوم.
ورفع مؤذن يعتمر غطاء أبيض للرأس، الأذان الساعة الواحدة والنصف ظهراً بالتوقيت المحلي، فيما كان آلاف المحتشدين في حديقة «هاغلي» ينصتون لكلمات» الله أكبر» التي تدوّي في المكان. تلت ذلك دقيقتا صمت في البلاد، مع تنظيم تجمّعات عامة في أوكلاند وويلنغتون ومدن أخرى.
ودان إمام مسجد النور جمال فودة «الايديولوجية الشريرة لتفوّق العرق الابيض»، وزاد: «نظرت ووجدت الحب والعاطفة في أعين آلاف النيوزيلنديين والبشر في العالم. الإرهابي سعى الى تمزيق أمّتنا بأيديولوجية شريرة، ولكن بدل ذلك أظهرنا أن نيوزيلندا لا يمكن كسرها».
وأضاف في خطبة امس الاول الجمعة التي بُثّت على مستوى البلاد: «قلوبنا محطمة لكننا لم ننكسر. نحن أحياء. نحن معاً وكلنا تصميم على ألا نسمح لأحد بأن يقسمنا. لأسر الضحايا أقول: أحباؤكم لم يموتوا سدى، دماؤهم روت بذور الأمل».
هذا ودعت منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول بعد اجتماع طارئ، المجتمع الدولي إلى اتخاذ «إجراءات ملموسة» لمكافحة معادة الإسلام، في جلسة دافع خلالها وزير الخارجية النيوزيلندي وينستون بيترز عن تعامل بلاده مع الهجوم، متعهداً أن يكون المسلمون المقيمون على اراضيها في «أمان».
وشكر أرديرن على ما أظهرته من محبة وتعاطف، قائلاً: «قدمتِ درساً لزعماء العالم. شكراً لك على احتضانك لأسرنا». وتابع: «حادث الأسبوع الماضي إنما هو دليل للعالم أجمع على أن الإرهاب ليس له لون أو عرق أو دين. تنامي (نزعة) سيادة البيض تهديد عالمي كبير للإنسانية، ويجب أن ينتهي ذلك الآن. الرهاب من الإسلام حقيقي. إنها حملة مستهدفة للتأثير في الناس لنزع الصفة الإنسانية عن المسلمين والخوف منهم من دون منطق».
وبعد إقامة الصلاة، اقترب غير المسلمين من المسجد ووضعوا باقات زهور واحتضنوا مسلمين والتقطوا صور «سيلفي» معهم. كذلك احتضن نيوزيلنديون جيرانهم المسلمين، وارتدت نساء في البلاد غطاءً للرأس، تضامناً مع المسلمات. وشوهدت نساء في العاصمة ويلينغتون يرتدين الحجاب في طريقهنّ إلى عملهنّ. وقالت كريستي ويلكنسون التي حضرت إلى حديقة «هاغلي» مع صديقتين، ووضعن غطاءً رمزياً للرأس: «يمكنني أن أخلع الحجاب إذا شعرت بالخوف، هنّ (المسلمات) لا يستطعن. الرسالة التي أريد ان أوجّهها هي أن الكراهية لا تستطيع أن تفوز».
وقام عشرات الآلاف من الأشخاص بتأبين الضحايا في أنحاء نيوزيلندا، إذ شكّل بعضهم سلاسل بشرية أمام مساجد، كما أدى آخرون صلوات صامتة في مدارس ومقاه وأماكن العمل.
وخصصت الصحف النيوزيلندية صفحات كاملة نعت فيها جميع الضحايا بأسمائهم، وتضمّنت دعوة إلى حداد وطني. وكتبت صحيفة «نيوزيلند هيرالد» في صفحتها الأولى: «دعوة إلى الصلاة، في الوحدة قوة».
وفي السياق، عقدت منظمة التعاون الإسلامي جلسة طارئة في اسطنبول، ناقشت خلاله ظروف المجزرة وتداعياتها، معتبرة انها «من الننائج الوحشية، غير الإنسانية والمرعبة» لمعادة الإسلام. ودعت المجتمع الدولي إلى اتخاذ «إجراءات ملموسة، شاملة ومنهجية لمعالجة هذه الآفة». ودعت أيضاً البلدان التي يقيم فيها مسلمون إلى «الامتناع عن أي سياسة، أو تصريح أو عمل يربط الإسلام بالإرهاب والتطرف». واقترحت إقامة «يوم دولي للتضامن ضد العداء للإسلام»، في 15 آذار (مارس)، في ذكرى يوم الهجوم على مسجدَي كرايست تشيرش.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الاجتماع: «على البشرية محاربة كراهية الإسلام الآخذة في الاتساع، بالعزم والطريقة التي حاربت بها معاداة السامية بعد كارثة المحرقة».
ودعا إلى عدم التعامل مع جماعات اليمين المتطرف بوصفها تنظيمات سياسية، بل بصفتها تنظيمات «إرهابية»، مثل تنظيم «داعش». واضاف: «إذا استمرينا في تجاهل الإرهاب النازي الجديد، سيكون الثمن باهظاً».
واعتبر أن ردّ الفعل والتعاطف اللذين أبدتهما أرديرن بعد الهجوم يجب أن يكونا «مثالاً يقتدي به قادة العالم أجمع». وشكر نيوزيلندا، شعباً وحكومة، على تعاملها مع الهجوم بحساسية وعزم.
جاء ذلك بعدما أغضب أردوغان ويلينغتون وكانبيرا، اذ بثّ مرات خلال مشاركته في تجمعات انتخابية في بلاده، تسجيلاً مصوّراً بثّه تارنت للمجزرة على «فايسبوك». وهدد «أعداء» لتركيا من بين أحفاد أستراليين ونيوزيلنديين شاركوا في الحرب العالمية الأولى ضد القوات العثمانية، بإعادتهم «في نعوش».
وشارك بيترز في اجتماع اسطنبول، قائلاً: «نحرص في شكل خاص على ضمان شعور المجتمعات المسلمة في نيوزيلندا بالأمان». واضاف في اشارة الى الجاني: «هذا الشخص سيواجه القوة الكاملة للقانون النيوزيلندي، وسيقضي بقية حياته في عزلة في السجن. بدأت شرطتنا أضخم تحقيق في تاريخنا».
وأعلن بعد لقائه أردوغان، حصوله على «ضمانات» منه بأن الزوار النيوزيلنديين سيبقون «موضع ترحيب» في تركيا.
وأشاد وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو بالسلطات النيوزيلندية و»رسائلها التضامنية المخلصة»، وتابع: «نحنا هنا لنظهر كتلة واحدة ضد أعمال العداء للإسلام في العالم».