الغربلة

-1-
كثيرا ما يختلط الغثّ بالسمين ، والجيد بالرديُ ، والحَسَنُ بالقبيح ، وتختلط الأوراق – كما يقولون – فلا بُدَّ من الغربلة لاصطفاء ما يستحق الاصطفاء من الاشخاص والأشياء ..
-2-
وللمرحوم الشاعر السيد أحمد الصافي النجفي رأي في الغربلة عجيب، من المفيد ان نقف عنده قليلا :
قال :
كثُرت لديّ الأصدقاء فلم أُطقْ
إرضاءَهم حتى تشوّشَ بالي
ولو أنني غربلتُ صحبيَ كلَّهم
لم يَبْقَ لي منهم سوى الغربالِ
لو غربل اصدقاءه لما بقي منهم أحد..!!
لا يبقى الا الغربال ..
وهذا أسوء الأحوال ..!!

-3-
والسؤال الان :
هل للغربلة نطاق محدود أم انّها تمتد لتشمل كل النواحي ؟
والجواب :
ليس للغربلة سقف محدود ، وانما هي ذات نطاق ممدود يشمل البشر والشجر والحجر …
-4-
أخبرني أحد الأعزاء من الاعلاميين انّ هناك ثلاثين ألفاً – في أقل التقديرات- ممن يحمل هوية الانتماء الى نقابة الصحفيين العراقيين – وهو رقم ضخم للغاية ..!!
ولكن كم هم اولئك الذين يستحقون أنْ يُطلق عليهم هذا الوصف بجدارة ؟
اننا لا نبالغ اذا قلنا :
انّ المهنيين منهم لا يتجاوزون المائة في أحسن التقديرات ..!!
ذلك لانّ الصحافي المتمرس لابُدَّ أنْ يكون عاليَ الثقافة ، شديد المعرفة بالوطن وتاريخه ورموزه وأوضاعه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعاداته وتقاليده … كما يلزمه ان يكون مُلِّما – وبشكل متميز – بقواعد اللغة العربية وآدابها ، وبالتراث العربي خاصة ،
ولابُدَّ له أنْ يكون عميقاً في قراءاته للتاريخ ماضِيه وحاضِره .
واذا جرت الغربلة على هذا الأساس فانّ النتيجة ستكون مذهلة للغاية …

-5-
معظم من يعتبر نفسه من أبناء المهنة لا يملك من قواعد اللغة العربية ما يميّز به المرفوع من المنصوب ..!!
ولهذا فانهم يُكسّرون أضلاع ( سيبويه)، ويملأون قلب الخليل بن احمد الفراهيدي قيحا ..!!
ثم انهم يظهرون صورتك الشخصية ويشيرون الى أنها صورة غيرك..!!
في مؤشر واضح الدلالة على عدم المعرفة بالشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية .
وللركاكة والرثاثة في كتاباتهم وتعليقاتهم مشاهدُ ومواطنُمرعبةٌ للغاية.

-6-
انّ الاعلام – المقروء والمسموع والمرئي- مهم للغاية في تأثيراته على الفرد والمجتمع والأمة .
ومن هنا يجب ان يكون على مستوى هذا الدور الخطير والحجم الكبير الذي يلعبه من التأثير على العقول والقلوب
ومن هنا أيضاً :
يُصبح باعةُ الضمائر والحقائق تقرباً لذوي السلطة آفة لا يصح اغماض النظر عنها .
اننا بحاجة الى المنهل العذب لا الى المستنقعات الآسنة …
-7-
والاستقامة في السلوك ، ودماثة الأخلاق ، وطيبة النفس ، يمكن أنْ تجعل صاحبها صالحاً للأمامة يصلي خلفه الناس ، ولكنّه حين يكون فاقداً للشرائط الموضوعية التي تقتضيهاالمهنة ، لا يصلح ان يكون (محرراً) في جريدة اسبوعية لا يومية ..!!

-8-
المطبوعات الدورية للجهات الحركية يهمها أنْ يكون المحرر مضمونَ الولاء لها ولا يهمها ان يكون مهنياً .
ومن هنا :
تجد الضعف سمةً عامة لمعظم تلك المطبوعات ..!!
-9-
لقد ضاعت (المهنية) في خضّم فوضى شاملة امتدت الى سائر القطاعات – للأسف الشديد –
-10-
ان الفارق بين (المهني) وبين غيره كالفارق بين (المثقف) و(الأمي) الذي لا يحسن شيئا …
-11-
انّ الكثير من حملة الشهادات الرنّانة – من الجيل الحالي –لا تفصل بينهم وبين الأميّة فواصل كثيرة …
وهذه هي الطامة الكبرى .
حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة