تحولات اجتماعية !

افرزت الحروب الثلاث الكبرى التي شهدها العراق خلال الاربعين سنة الماضية العديد من النتائج والتحولات على الصعد السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية وقد اسهمت سنوات القمع والاضطهاد في حرمان اجيال عراقية من اللحاق بالتطورات الحديثة التي اسهمت في انضاج الانسان وتمتعه بالقفزات الكبيرة في مجال التكنولوجيا خلال عقود متتالية من التاريخ الحديث ولم يشعر العراقي بهذه الفجوة الكبيرة الا حينما ازيحت عنه حجب الاستبداد والشمولية وحينما فتحت امامه الابواب وجد شعوب العالم في الشرق والغرب قد نالت حصتها من عناوين الحضارة والتقدم واسهم التقدم الاقتصادي والاستقرار في تعميق القيم الايجابية بين فئات المجتمعات والانفتاح على الحضارات الاخرى وانعكس على العلاقة بين الدولة والمواطن ولم تع المنظومة السياسية التي توالت على ادارة الدولة العراقية بعد 2003 مستوى التحولات التي طرأت على المجتمع العراقي ولم ينصهر قادة وزعماء مع هذا التحول وبقيت رسائلهم السياسية والاقتصادية رسائل مبتورة ومنقوصة عمادها الطائفية والحزبية ولم تتسق مع الحركة المجتمعية وبقي الكثير من المنظرين للتغيير في العراق اسرى لتقاليد بالية ووصايا جاهزة ارادوا من خلالها اقناع الشعب العراقي بانهم يحملون البشرى في الاصلاح والتغيير وان عناوين شهاداتهم وانتماءاتهم الى الجامعات الاوروبية كفيلة بحصولهم على التزكية والاطمئنان لتنفيذ مشاريعهم في هذه البلاد وعلى الرغم من امتلاك بعضهم اللباقة وامتلاك البعض الاخر القدرة على التنظير وتسطير البحوث والبيانات الا ان ماحصل ومايحصل في العراق هو ان النخب السياسية عامة والذين قدموا من الخارج خاصة وتولوا ادارة اعلى درجات الهرم الوظيفي في المؤسسات فشلوا في قراءة الشارع العراقي وتعاملوا بسطحية مع التطلعات المشروعة لهذا الشعب ورغبته وارادته بالانعتاق من سنوات القمع واللحاق بالامم الحية ومغادرة الطرق البالية في التعامل مع الازمات واصر الكثير من السياسيين الفاشلين على النظر الى هذه الازمات بمنظار القديم والمتهالك الذي عفا عليه الزمن مما انتج التأزيم في ملفات متعددة واحدث فجوة واسعة بين هذه النخب وعموم الشعب وقد دلت المناسبات العامة التي تتيح للجماهير التعبير عن اصواتها على مانقوله حيث اكد الشعب العراقي وبرغم فداحة الخطاب الطائفي وتعمقه بانه غير مستعد لهضم هذا الخطاب وان جسده وروحه متلاصقة مع الهوية الوطنية ورافضة لتكريس الانتماءات الدينية والمذهبية والحزبية وان ميدانه الواسع هو جغرافية العراق بكل تضاريسها من الشمال مرورا بالوسط وحتى الجنوب .
د. علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة