مفترق طرق !

ماشهدته بلادنا خلال الستة ايام الماضية يشكل نقطة تحول كبيرة ويمكن وصفها ب(الهزة الانسانية) التي تفاعلت قبلها واثناءها وبعدها مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية فلاول مرة يشعر النظام السياسي الجديد في العراق الذي تأسس فوق حطام الديكتاتورية بانه امام تحد كبير وخطير يتمثل بالسخط والرفض الشعبي الشديد لمنهجه في ادارة الدولة ولاول مرة تتفاعل مشاعر الاحباط والخذلان التي بقيت محبوسة ومكبوتة تتحين الفرص لتفريغها على شكل فعاليات جماهيرية تمثلت بالانخراط في حركة الشارع والخروج بتظاهرات واحتجاجات لم ترفع أي شعار ولائي للارتباط بحزب او جهة سياسية.

 واذا كانت اصوات التحذير والتنبيه قد فشلت في اقناع الارادات الحزبية السياسية  التي تعاقبت على ادارة الدولة العراقية منذ 2003 فان المتهم الاول في اشعال الحرائق في بلادنا هم هؤلاء الذين تولوا زمام السلطة داخل هذه الاحزاب بتعدد اسمائهم وعناوينهم وارتباطاتهم ومن الغريب والعجيب ان يخرج رئيس الوزراء عادل عبد المهدي متاخرا ليلقي خطابا مهزوزا لم يتسق باي حال من الاحوال مع حركة الجماهير الساخطة والناقمة ولم يعبر في خطابه لاشكلا ولامضمونا عن حاجات الجمهور النفسية والعاطفية في مثل هذه اللحظات المصيرية والاكثر غرابة ان يقول السيد عبد المهدي بانه مصدوم لهذا المستوى من الكبت الذي اختزنه الاف الشباب العراقيين الذين تلقوا بصدورهم رصاص  من خانوا وطنهم من المندسين او المتهمين بالاندساس.

 كما ان انه من المعيب ان لايعلم  رئيس الوزراء او رئيس مجلس النواب او أي مسؤول عراقي تفاصيل المطالب التي خرج من اجلها ملايين المتظاهرين وان يطلبوا امام وسائل الاعلام تسلم مثل هذه المطالب وكان السنوات الخمس عشر الماضية لم تكن كافية للاندكاك مع هذا الشعب المظلوم والمقهور وكأن السيد عبد المهدي رجل غريب عن هذا الوطن وكأن غيره من المسؤولين ضيوف في هذا البلد لا يعلمون ما يريده العراقيون ونسي هؤلاء ان ملايين الاصوات التي تنادي وتستصرخ كل هذه السنوات لم تلقَ سوى اذان صماء وعيون عمياء ..الان وقد توضحت بصورة جلية نتائج الاستفتاء على اداء هذه الحكومة ونحن نرى بأن هذه الاحتجاجات هي استفتاء حقيقي يمتد الى كل مامضى من مشاريع وخطط تبنتها احزاب السلطة فان من الشهامة والنبل ان تنحني رؤوس السلطة لهذا الفيض الجماهيري الذي خرج بعفوية وصدق ومهما قيل من اتهامات بوجود ادوات خارجية وداخلية للدفع بالمتظاهرين للخروج بهذا الاندفاع الذي ولد عنفا اسفر عن سقوط اكثر من مائة شهيد وآلاف الجرحى فان الحقيقة الساطعة هي ان الشعب العراقي اثبت اليوم بانه شعب حي وان جيلا جديدا يعي جيدا بان اخطبوط الفساد الذي التف على خاصرة الوطن لايمكنه خنق الروح الشبابية التي تريد ان تبني عراقا جديدا لا مكان فيه للقتلة والسراق الذين عاثوا بمقدرات البلاد وان دماء الشهداء الاوفياء الذين سقطوا مضرجين بدمائهم في بغداد والمحافظات تحتم القيام  بثورة اجرائية تضرب بقوة مكامن الفساد وتنصف العراقيين المظلومين الذين صبروا طويلا من اجل ان يطمئنوا على مستقبلهم ومستقبل اولادهم من دون السماح لحبل الاكاذيب والوعود بان يمتد لسنوات جديدة ومن المؤكد ان العراقيين اليوم هم في مفترق بين التوجه نحو دولة يحظون فيها بالعزة وتصان فيها كرامتهم بعد كل هذه التضحيات وبين دولة يواجهون فيها الاذلال والهوان ببقاء جوقة الفاسدين والمتخلفين.

د. علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة