كي تحظى أية سلطة سياسية بشرعية دولية وداخلية، تؤهلها لتولي قيادة البلد، لابد من توفر شرط أساس يتعلق بآلية تشكيل تلك السلطة، الا وهي صناديق الاقتراع، حيث ان مجيء اية سلطة، عبر صناديق الاقتراع، يعد العمود الأول والأخير لمنح تلك السلطة شرعية سياسية، تمنحها الاعتراف الدولي، وتجبر الدول على التعامل معها بوصفها سلطة تمثل شعب الدولة التي تتولى قيادته. التعريف القديم للديمقراطية، والذي وجد في فترات سابقة، تلت الثورة الفرنسية، وتنظيرات الفلاسفة الأوروبيين يبين ان الديمقراطية تعني: حكم الشعب لنفسه. حيث ان الشعب من غير الممكن ان يحكم الشعب بنفسه، في ظل التطورات السياسية والاجتماعية، لذا كان لابد من وجود طريقة للحكم لا تتقاطع مع جوهر الديمقراطية الا وهو حكم الشعب، فكان الحل هو ان يصار الى انتخاب هيئة او سلطة تتولى الحكم نيابة عن الشعب.
وهذه السلطة هي التي تتولى توزيع الأدوار والمناصب في سائر أجهزة الدولة، بما يحقق المصالح العليا للشعب. واستمر التعريف القديم هو المسيطر على أدبيات السلطة السياسية، حيث لا شرعية من دون صندوق الانتخاب، واية سلطة لا تأتي عبرها، غير شرعية ولا يتم الاعتراف بها. وللأسف، لم يتجرأ مفكر او سياسي على طرح فكرة جديدة عن الشرعية السياسية، في ظل مرور فترة طويلة على تطبيق التعريف القديم للديمقراطية، وظهور تيارات سياسية وتطبيقات على أنظمة سياسية حديثة العهد بالديمقراطية. وكذلك ظهور أنظمة لا تتبع الآلية التي نصت عليها الديمقراطية في إضفاء الشرعية على السلطة التي ستنبثق عنها.
الديمقراطية تفترض ان السلطة التي تأتي عبر صناديق الاقتراع سوف تحقق جميع تطلعات الشعب وتحقق أهدافه في حياة حرة وعيش كريم، اما السلطة التي تأتي على وفق الآليات الآخر، كالوراثة والانقلاب العسكري والثورات وغيرها، سوف لن يحقق الا مصالح الجهة التي قامت بالانقلاب او الثورة. في الوقت الحاضر، ونتيجة لمرور مدة زمنية طويلة على هذا التصور، ثمة أنظمة شذّت عن هذا الوصف، حيث ان بعض الأنظمة التي جاءت عن طريق الانتخابات، لم تحقق أي هدف او غاية يسعى اليها الشعب، بل كرست جميع مفاهيم الاستبداد والتسلط السياسي، بالمقابل هناك أنظمة جاءت بالوراثة ولا توجد انتخابات ولو محلية فيها، حققت ما تصبو اليه الديمقراطية من اهداف.
الشرعية السياسية، لا تمنح لمجرد ان السلطة جاءت عبر صناديق الاقتراع، بل ثمة أسباب مهمة وجوهرية، أكبر من كل التنظيرات والأفكار، أسباب تتعلق بمدى تحقق مصالح الناس، ومدى اقتراب الحكومة منهم. تتحقق الشرعية، متى ما كانت السلطة قريبة من الناس، توفر لهم الأمن والخدمات والصحة والتعليم وكل متطلبات الحياة، الشرعية السياسية تتحقق متى ما كانت الحكومة حريصة على المال العام، وتحسب حساب الشعب ومصالحه، قبل مصالحها. الشرعية السياسية، تتحقق متى ما كانت السلطة تحت إمرة الشعب، خاضعة للرأي العام. وبعد تحقق هذا، يمكن ان نتحدث عن صناديق الاقتراع.
سلام مكي
ما هي الشرعية السياسية؟
التعليقات مغلقة