حذام يوسف طاهر
روائي حالم بغد قريب يحمل الخير والأمل وهو أيضا وبرغم ملامحه الهادئة ثائر على كل ظلم وضعف يمكن أن ينهي الكلمة ويقتل الفكر كتب كثيرا ولعن في كتاباته الدكتاتورية وإرهاب السلطة أطلق العنان لقلمه ولم يتوقف عن الكتابة حتى داخل أسوار السجن، بل كان أكثر نشاطا وتأملا ونتاجا بسبب مواقفه السياسية من النظام وبسبب شجاعته في حمل السلاح بوجه السلطة وتحديدا في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 كان مطاردا من قبل السلطة وذاق صنوف العذاب لكنه لم يتخاذل وشحذ قلمه وكان حرا وهو داخل السجن حرا في كتاباته وإنتاجه الأدبي، دخلنا عليه في مكتبه في شبكة الإعلام العراقي وكان لنا معه هذا الحوار:
كتبت وأنت داخل اسوار السجن عددا من الروايات، هل لك ان تحدثنا عن تلك الفترة وكيف استطعت ان تنجز اربعة روايات؟ كنت حرا وانت داخل هذا القيد؟
– الحقيقة رغم ان السجن قيد صعب يحدد حركته ويحصرها في زاوية معينة الا انه لا يستطيع ان يحد من حرية الفكر كنت اشعر في رقتها بحرية في الكتابة على الاقل، كنت اكتب بحماس ونشاط والفضل في هذا يعود الى الاهل والاصدقاء الذين كانوا يجازفون بجلب ما احتاجه من مستلزمات للكتابة في زياراتهم الدورية لي في السجن وحقيقة حرية الفكر ليس هناك من له القدرة على الغائها لا السجان ولا الدكتاتور لأنها هنا في داخلنا نحن فقط من يملك حق السيطرة عليه وفي سنوات الحجز كان الوقت طويلا، وفرصة التأمل هناك ربما اكبر ما يتيح لك فرصة للقراءة والكتابة.. دعيني اقول لك ان سجن (ابو غريب) عبارة عن مدينة كاملة لكنها ؟؟؟ وهذا هو السجن الحقيقي انك تكون بعيدا عن ذلك الكائن الذي يعيد خلقك كل يوم في داخل السجن كنا نساعد بعضنا وبمعاونه الاهل والاصدقاء ولم ننقطع عن العالم حتى اني في عام 2001 طبعت لي في اسبانيا مجموعة قصائد نثرية وكانت بعنوان»سأتبع خطاك حتى خريف الغابات « وعند خروجي من السجن لم احصل الا على نسختين او ثلاثة منها والحمد لله.
الروايات التي ولدت داخل السجن (صحراء نيسابور، مأوى الثعبان، الجمل بما حمل، والسفياني) هل ضمتها حكايات مما كان يدور داخل تلك الاسوار؟
– في الواقع (صحراء نيسابور) كنت قد بدأت بكتابتها قبل دخولي السجن وهي كانت تمثل رباعية اكملتها داخل المعتقل ومؤكد هناك احداث ملامح لتلك الفترة ربما تستغربين لو قلت لك انني اشتهي العودة الى هناك لأتفرغ للكتابة فالصحافة والعمل اخذتني بعيدا عن اجواء الكتابة ولكني احاول ان استغل كل دقيقة للكتابة سواء في مكتبي في شبكة الاعلام العراقي او داخل محرابي الصغير لأكمل ما بدأت به من الاعمال الادبية المؤجلة.
لديك رواية باسم»الخواتيم « وهي مبنية على اساس ملف امني خاص بك عثر عليه في احدى الدوائر الامنية بعد سقوط النظام، فهل كانت تلك الرواية قريبة من السيرة الذاتية ام انك صنعت تماثيلك الخاصة لخدمة القصة؟
– هذا الموضوع يشمل جميع الكتاب لجميع فنون الادب عندما يفكر لتأسيس عمل معين يضمنه جزءا من حياته واحيانا هناك امور تدخل ضمن العمل الادبي دون ان يتعمد الكاتب ذلك، وبالنسبة لرواية (الخواتيم) كنت اعتمد في كتابتها على الملف الامني الذي كان يضم كل تحركاتي الثقافية والسياسية وعند اطلاعي عليه اصبت بصدمة عنيفة لاحتوائه على مفاجآت واحداث اذهلتني بل أرعبتي فالصديق الذي وثقت به واودعته اسرارك يتضح انه مميز ويوصل كل تفاصيل حياتك لأزلام السلطة وبسهولة غريبة، حتى زميلتي القريبة مني والتي كانت شاهدة على ولادة الكثير من قصائدي وكتاباتي تبين فيما بعد ومن خلال الملف الامني هذا انها ايضا مخبرة وتعمل لصالح السلطة، فكانت صدمة كبيرة لي انك تكون بمواجهة قاسية مع من كنت تعتقدهم ملاذك وانصارك في الفكر والمبدأ وحتى الحلم، وبالإضافة الى هذه المواقف الحقيقية ضمنت رواية الخواتيم الكثير من المشاهد والشخوص لتغلغل مع الاحداث الاصلية لمحنتي تلك وتشكل الرواية بشكلها النهائي اننا حين نسمي كاتبا ما مبدعا فإننا لا نطلق عليه تلك الصفة اعتباطا بل لأنه بالفعل ابدع وخلق احداثا وشخوصا هو المسؤول عنهم.
في احدى اللقاءات ذكرت ان رواية(الخواتيم) قصدت بها خاتمة للحب وخاتمة للظلم وخاتمة للصداقة، هل ما زال ملف الحب والصداقة والظلم مختوما، ام فتح من جديد؟
– في وقتها نعم كانت خاتمة للحب والصداقة وللظلم والقهر لكن هذه مشاعر وقرارات خاصة لتلك اللحظة ورد فعل لتلك الصدمة العنيفة لكن الحب لا يمكن ان ينتهي من حياتنا، نعم تنتهي قصة حب ممكن، لكن الحياة مستمرة لتبدأ قصة اخرى ربما أكثر عمقا فالحياة لا يمكن لها ان تستمر دون ان يكون هناك حب وأمل جديد، قد تكون نهاية للظلم والاستبداد وان شاء الله نظرتنا للغد نظرة تفاؤلية بأن القادم أجمل بالتأكيد.
برأيك هل استطاع الاديب بشكل عام ان يكون لسانا للناس؟
– الاديب هو جزء من هذا العالم وجزء من كل تلك التفاصيل اليومية والاحداث المتواصلة فالأديب عندما يتحدث عن قصة او حادثة معينة ويؤرخ مرحلة من حيالته فانه بذلك يؤرخ لزمن ولحدث ربما يشمل من يسكن اقصى الكرة الارضية والنتيجة ان مجمل الاحداث الانسانية تتشابه بين البشر بغض النظر عن لونهم وشكلهم وبيئتهم وفي مجمل كتابات الروائيين والادباء هناك سر لأمر معين يمثل مجموعة من الناس وعندما ينتقد ظاهرة معينة انما هو يتكلم بلسان هؤلاء.
كيف تنظر الى الرواية الواقعية؟ وهل استطاعت تجاوز محليتها؟
المختار: لدينا روائيون مبدعون استطاعوا ان يؤسسوا لهم خطا مميزا وواضحا وهذا باعتراف الجميع، والحقيقة من خلال المحلية يستطيع الكاتب ان يصل الى العالمية وبالفعل استطاع الكثير من الكتاب تجاوز تلك الحدود والحواجز ووصل الى القارئ العربي وأثر به، وفي الوقت الحاضر هناك الكثير من النتاجات الادبية التي وصلت الى العالمية من خلال الترجمة لبعض النصوص وفي هذا الموضوع انا متفائل جدا.
* اين المرأة في كتابات الروائي حميد المختار، وماذا شكلت من ملامحك؟
المختار: انا انظر للمرأة على انها الحياة فيه نصف المجتمع بل هي الخالق للنصف الاخر منه، هي تشرف على الرجل منذ ولادته ولحين اكتمال بنائه ونضوجه وانا ضد تلك النظرة البائسة للمرأة التي يتبناها البعض ويحمل الديانات قصور هذه النظرة، فكل الديانات ليس فقط في الدين الاسلامي كانت تدعو الى احترام مكانة المرأة وتقديس الدور الذي تقوم به بل المرأة في بعض الازمنة القديمة كانت تعبد بمثابة الالهة كونها القادرة على الخلق كالآلهة. لكني اقول ايضا ان المرأة لها دور سلبي في موضوع النظرة البائسة لها كونها استسلمت لهذا الوضع وآمنت به، اذن هي دعوة لها لان تساعد نفسها وتثبت وجودها وتعتمد على قدرتها وتكون شجاعة في اتخاذ قراراتها لتحد من تلك النظرة غير الصحيحة باتجاهها.
ماذا تحقق من احلام الروائي حميد المختار وهل استطعت ان تعوض سنوات الحصار الفكري؟
– لا أستطيع ان اقول اني حققت احلامي فلا زال في جعبتي الكثير لكني استبشر خيرا، وارجو ان تحمل الايام القادمة كل خير لأحلامنا واحلام الاجيال القادمة واستطيع القول ان امامي الكثير لتحقيقه وفي الطريق اكثر من مشروع ابداعي قيد الانجاز.