هل بمقدورنا إبعاد العام الجديد (2018) قليلاً عن مصائر وسيناريوهات الأعوام التي سبقته؟ للإجابة على هذا السؤال، نحتاج الى شيء من الوعي والجرأة في التعاطي مع العلل والآليات والقوى والعقائد والمصالح التي تقف خلف ما جرى من كوارث وآلام ومحن. صحيح أن العام الذي انقضى (2017) قد حمل معه خبر تحرير كامل التراب الوطني من عصابات الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وهو حدث كبير يضع بصمته الواضحة على ملامح العام الجديد، إلا أن مخلفات أكثر من ثلاثة أعوام من ذلك الاحتلال الغاشم، ستثقل بأوزارها على حركة وحيوية التوجهات المقبلة. إن ظلت الأمور على ما هي عليه من اصطفافات للقوى التقليدية نفسها، وتمكنت من إعادة تدوير بضائعها النافقة مع شيء من الإكسسوارات الرائجة شعبوياً وعقائدياً؛ فإن العام الجديد لن يشذ عن خارطة الطريق التي رسمتها لنا كتل وحيتان المحاصصة العتيدة، والتي تعرفنا على ما تملكه من مواهب وتقنيات طوال 15 عاماً من “التغيير”. لقد نجحت قوى اللصوصية والتخلف من توريط قطاعات واسعة بشبكات فسادها المالي والقيمي والفكري، وعبر ذلك العمل الممنهج والواسع، تكون قد ضمنت ديمومة واستمرار هيمنتها ونفوذها على مقاليد أمور الدولة والمجتمع، كما أن المعطيات الراهنة تشير على أنها تعول على مناخات الغيبوبة والفساد هذه، كي تعيد تدوير ممثليها على سنام السلطات في الدورة الانتخابية المقبلة، والمقرر إجراؤها منتصف العام 2018. إن جرت الرياح وفقاً لما تشتهيه ذائقتها المتخلفة والشرهة، فعلينا الاستعداد لاستقبال أربعة اعوام أخرى لا علاقة لها بكل ما له صلة بهموم وتحديات عالم اليوم، من استقرار وازدهار وخدمات وتنمية اقتصادية واجتماعية وقيمية.
من جانب آخر حملت لنا الأسابيع الأخيرة من العام المنصرم، بواكير انبثاقات يمكن أن ترسم شيئاً من ملامح الوعي المنشود في المشهد العراقي الراكد، حملتها لنا الاحتجاجات الشعبية في مدينة السليمانية وعدد من مدن إقليم كوردستان، عندما تطورت التظاهرات المطلبية الى طور آخر دونته شعاراتها المطالبة بالتحرر من سلطة الأحزاب التقليدية والعشائرية والأسرية، والدعوة لتشكيل حكومة إنقاذ تنتشلهم من المأزق الاقتصادي والسياسي الحالي. إنها انعطافة نوعية صوب الأهداف الواقعية التي تصون حق الإنسان في العيش بحرية وكرامة، بعيداً عن مسلسل الحرائق والنزاعات والحروب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل. لقد برهنت الأحداث والوقائع عن عجز الكتل والأحزاب والجماعات المتنفذة (قبل التغيير وبعده) عن إجراء أية تغيّرات فعلية داخل صفوفها ونوع المنظومات المعتمدة لديها، وهذا ما عكسته احتجاجات سكان المدينة الأكثر وعياً وتنظيماً بين المدن العراقية (السليمانية).
في العام الجديد (2018) سيبقى التحدي الأول والمزمن لسكان هذا الوطن القديم من شتى الرطانات والهلوسات والأزياء، محصوراً بمهمة امتلاكهم للدولة الوطنية الحديثة ومؤسساتها ومعاييرها المجربة، ذلك التحدي الذي فشلوا فيه طوال قرن من حياة العراق الحديث (1921-2018)، هذه المهمة التي كشفت عن إفلاس الأحزاب والجماعات العقائدية والآيديولوجية الضيقة في التصدي لها زمن النظام المباد وبعده. من دون وعي مثل هذا المأزق الحضاري وتخطيه بقرارات شجاعة ومؤلمة تضع مصالح الوطن وسكانه من دون تمييز على رأس أولوياتها، لن نشهد عاماً مختلفاً عما ولّى من أعوام..
جمال جصاني
العام 2018 والتطلعات المنشودة
التعليقات مغلقة