المبشرون بالجائزة..!

تجري (إذاعة جمهورية العراق) التابعة لشبكة الإعلام العراقي استفتاءً يتضمن التصويت للأفضل في العديد من الأجناس والفنون والمهن الإبداعية، منها جائزة أفضل كاتب عمود صحفي للعام 2017. مسابقة لم تشذ عن تقاليد وثوابت هذه الأمة الممتدة من (بغدان لتطوان) حيث تنهض مؤسسات الوصاية العتيدة بمسؤوليتها التاريخية في رسم خارطة طريق واضحة المعالم، يتم فيها قيادة الحشود الى حيث الأسماء المرشحة لمثل هذه المكرمات (الجوائز). تضم قائمة المبشرين بالجائزة هذا العام 20 مرشحاً يسمح بالتصويت لهم من دون زملائهم في هذا الحقل الحيوي، وهذا الأمر وحده يكفي للطعن بمهنية ومصداقية مثل هذه المسابقات، صحيح أن القائمة قد ضمت كتّاب أعمدة محترفين (لا أدري ما موقفهم من زج أسمائهم في تلك القائمة)، لكنها ضمت أيضاً عددا ممن أدمن على نقل عدته وقلمه من كتف الى كتف آخر، ومن ألحقت كتاباته أضرارا فادحة بوعي المتلقين، وغير ذلك من عيوب لا يمكن أن تغتفر لمن يتنطع لمثل هذه النشاطات الحيوية (صناعة الرأي). كما أن مثل هذه الاستفتاءات ستتيح لعدد غير قليل من الذين لا يتابعون قراءة الصحف للمشاركة فيها (لأسباب ودوافع أخرى)، وهذا يعكس نوع المعايير المتبعة في هذه المسابقات. كما أن هذه الممارسات الحضارية (الاستفتاءات) لها شروطها ومعاييرها العلمية والموضوعية، لا كما يحصل لنا مع المبشرين مسبقاً باللقب (أفضل كاتب عمود صحفي)، والتي لم تصل الى مستوى ومعايير مسابقات مجموعة الـ (ام بي سي) وبرامجها مثل (ذا فويز) و(عرب آيدول) وغيرها والتي تجري فيها تصفيات أولية تفضي لقائمة المرشحين للفوز بالمسابقة.
يمكن تفهم إجراء مسابقة لاختيار أفضل عمود صحفي، حيث يفحص النص شكلاً ومضموناً من قبل لجنة تعتمد المهنية والموضوعية في التقييم، لا سكراب المعايير المنحازة لصيادي الجوائز. أما اختيار أفضل كاتب عمود وعبر هذه الآليات المعاقة، فلن تزيد العاملين في هذا الحقل إلا انكساراً وخنوعاً، حيث سيفلح فيها من يمكن أن نطلق عليه (محبوب الجميع) الذي تطيح مواهبه بالمثل الشائع (رضا الناس غاية لا تدرك). لقد سعيت وكرست جهدي المتواضع للنهوض بمهنة الصحفي بنحو عام وكاتب العمود بنحو خاص، وحذّرت دوماً من اللهاث لقنص الجوائز وما يتجحفل معها من مكرمات ومنح متخصصة بترويض الكتاب والفنانين والعاملين في المجالات الإبداعية، وزجهم في نهاية المطاف داخل اصطبلات الخنوع والتبعية، بعيداً عن وظائفهم المفترضة في الدفاع عن الحرية ومنظومتها القيمية في التعددية والحداثة.
ضمن المناخات الحالية وهمومها واهتماماتها، لا نستغرب استمرار مثل هذه النشاطات التي تكرس، ما تم ترسيخه من قيم وتقاليد، حيث الملاكات نفسها تقريباً ولم يختلف الأمر كذلك في مجال العقائد والمعايير، وهذا ما يمكن تلمسه في جميع مجالات حياة ما بعد “التغيير” ونوع الخلطات التي أعادت ترميم ثوابت الرسائل الخالدة. كما أن انخراط هذه الشريحة (كتاب الأعمدة) في مثل هذه المسابقات، يعكس حجم الضرر الذي لحق بهذه القطاعات الحيوية، والتي يفترض أن تتحول الى ورش لصناعة الرأي والمعنى الجديد، الذي من دونه لا يمكن انتظار أي بصيص أمل في نهاية النفق…
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة